(بيانُ مجلسِ البحوثِ والدراساتِ الشرعيةِ بدارِ الإفتاء الليبية، بوجوبِ المبادرةِ برفعِ الظلمِ عن السجناءِ المظلومينَ)
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعد:
فقدْ حرَّمَ اللهُ تعالى الظلمَ على نفسه، وجعله محرّماً بين عبادِه، وحجبَ الفلاح عن الظالمينَ، وتوعدَهُم بالخيبةِ واللَّعنِ والعقوبةِ العاجلةِ والآجلة، قال الله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} طه: 111، وقال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} هود :18، وقال سبحانه: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} الأنعام: 145، وقال: {فَتِلْكَ بيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} النمل :52.
وقال فيما رواهُ عنهُ رسولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلم: (يا عِبادِي؛ إنِّي حرَّمتُ الظّلمَ على نفسِي وجعلتُهُ بينكم مُحَرَّماً، فَلا تَظالمُوا) رواه مسلم.
وإنَّ مجلس البحوث والدراساتِ الشرعية مَا فَتِئَ يُحذّرُ مِن الظلمِ، ولا سيَّمَا مَن تولَّى على المسلمينَ ولايةً صَغُرتْ أم كَبرَت، ومَا تعاقُبُ الأزماتِ على بلادِنا إلَّا أثرٌ من آثارِ استمرارِ هذا الظُّلم، والمماطَلةِ في منعِهِ ورفعِه، فمَا زالَ الكثيرُ من السجناءِ قابعينَ في ظلماتِ الزنازينِ منذُ بضع سِنين، لم تُوَجَّه لهم تهمةٌ أصلاً، أو تمتْ تبرئتُهم من المحاكمِ التي عُرضُوا عليها، في المدنِ الليبيةِ المختلفة، ولم يُفرجْ عنهم، ويعدُّونَ بالمئاتِ.
وقد أشارتْ بعضُ المنظماتِ الحقوقيةِ إلى ذلك، وذكرتْ بعضَ هذه المظالم، كما جاءَ في بيانِ المؤسسةِ الوطنية لحقوقِ الإنسانِ في ليبيا، المنشورِ على صفحتِها الرسميةِ بتاريخ: 8 مايو 2024م ، فقد جاءَ فيه أنها تعبرُ “عن بالغِ استيائِها الشديدِ تجاهَ عدم إطلاق سراح المعتقلين والسجناء الذين صدرت بحقهم قرارات وأوامر قضائية بالإفراج عنهم من قبل النيابة العامة، وممن انقضت مدة محكوميتهم، في العديد من السجون التابعة لوزارة العدل وجهاز الأمن الداخلي بنغازي، وجهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، وغيرهم من الأجهزة الأمنية الأخرى…”.
وعليه؛ فإنَّ مجلس البحوث والدراسات الشرعية – وإبراءً للذمة أمام الله تعالى ثمَّ أمام الليبيين – يوجه مخاطبتَهُ لكل الــــــجهاتِ التي لها علاقـــــــــةٌ بهذه المظالم؛ وعلى رأسها رئيسُ المجلس الرئاسي وأعضاؤه،
ورئيسُ الحكومة، ووزارتا العدل والداخلية، ومكتبُ النائب العام، والقائمون على السجونِ في وزارة العدلِ، وجهازِ الأمنِ الداخلي بنغازي، وجهازِ الردعِ لمكافحة الجريمة؛ أن يتقُوا الله في المظلومينَ في سجونهمْ، ويطلقُوا سراحهم، قبلَ أن يأتيَ يومٌ لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، وتجدُ كلُّ نفسٍ ما عملتْ مِن سوءٍ مُحضَراً، تودُّ لو أن بينَها وبينَهُ أمَداً بعيداً، قال الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} آل عمران : 28، وذلك رجاء أن يرفعَ اللهُ عنّا البلاءَ وضيقَ العيشِ وشدةَ الحياة، وتسلُّطَ الأمَمِ علينَا بجيوشِها ومخابراتِها، وسلب خيراتِنَا وثرواتِنا، وما نراهُ كلَّ يومٍ مِن ضيقٍ إلى ضيقٍ أشدّ منهُ، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه:124، ويقولُ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} النساء:160، فما نزلَ بلاءٌ إلَّا بذنبٍ، ولا رُفعَ إلَّا بتوبَةٍ.
وما توعَّدَ اللهُ به الظالمينَ مِن الخيبةِ واللعنةِ، ينالُ كلَّ مَن له رعايةٌ وولايةٌ ونفوذٌ، ابتداءً مِن السجّانِ الحارسِ لبابِ السجن، إلى رئيسِ الكتيبةِ، إلى النيابةِ، إلى الوزيرِ إلى رئيسِ الحكومةِ، وإلى كلِّ مَن هم أعضاء في جهاتٍ رقابيةٍ أو مجالسَ، يزعمونَ أنَّ لها سلطاتٍ تشريعية، كلهم مهدَّدونَ بالمصيرِ الذي توعدَ الله بهِ الظالمينَ، إنْ لم يفعلُوا مُستطاعَهم في إطلاقِ سراحِ المظلومين، فإن السجنَ عذابٌ، وكلُّ مسجونٍ له أهلونَ؛ صغارٌ وآباء وأمَّهاتٌ ينتظرونَهم، ودعواتُهم على مَن ظلمهمْ دعوةُ مظلومٍ، تصعدُ إلى السماءِ تشقُّ الغَمام، ليس بينَها وبينَ الله حجابٌ، ويقسِمُ الباري -وليسَ بحاجة إلى القسَمِ، ولكن ترهيباً وتخويفاً للظالمين- فيقولُ لدعوةِ المظلوم: (وعِزتِي وجَلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين) رواه أحمد.
وكذلكَ السكوتُ مِن كل أحدٍ عن هذا الظلمِ لا يحلُّ، فإنه يُخشَى على الساكتِ أن يأخذَهُ العذابُ، كما يأخذُ الظالمينَ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الناسَ إذا رأوُا الظالمَ فلم يأخذُوا على يديهِ، أوْشكَ أن يعمَّهم اللهُ بعقابٍ) رواه الترمذي.
فرجَ الله عن المظلومينَ، وكفَى البلادَ شرَّ الظلمِ والظالمينَ، إنه سميعُ الدعاءِ.
وصلَّى اللهُ وسلم على نبينا وسيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين.
مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء
السبت: 03 ذو القعدة 1445 هـــ
الموافق: 11-05-2024 م