حكم إيقاع الزوج الطلاقِ وهو غير مدركٍ لما يقول بسبب شدة الغضب
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5345)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا (م)، أوقعتُ الطلاق على زوجتي في غضب شديد، بلغ بي إلى درجة لم أشعر فيها بما تلفَّظْتُ؛ فلم أعلم بما صدر مني حتى أخبرتْني زوجتني، فهل الطلاق واقعٌ؟ علمًا بأني طلقتُها من قبل مرتين.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالعقلُ هو مناطُ التكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإن كان المطلِّقُ يعِي ما يقول، ويقصدُ ما يتكلمُ به؛ فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلقُ شديدَ الغضب وقتَ الطلاق، إلى درجةٍ لا يعِي فيها ما يقولُ، ولا يشعرُ بما يصدرُ منه؛ فالطلاقُ لا يقعُ؛ لأنه صارَ في حكم المجنونِ فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ … وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [حاشية الصاوي: 1/449].
عليه؛ فإنْ كانَ الحالُ ما ذكر، والزوجُ وقت وقوعِ الطلاقِ غير مدركٍ لما يقول بسبب شدة الغضب؛ فلا يلزمُه الطلاق، وليعلمِ الزوج أن وقوعَ الطلاق عليه من عدمهِ متوقفٌ على صدقِ ما أخبرَ به، مِن عدمِ إدراكه لما وقعَ منه مِن التلفظِ بالطلاقِ، أمَّا إن كان مدركًا لما وقَع منه من الطلاقِ؛ فإنّ هذه الفتوى لا تفيدُه؛ لأنها بُنيتْ على إخباره بعدمِ إدراكه، فإذا كانَ الواقعُ غيرَ ذلك، وكان مدركًا؛ فالطلاقُ لازمٌ له، والفتوَى لا تصلحُ له، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09//ربيع الآخر//1445هـ
24//10//2023م