حرمان الابن العاق من الميراث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2971)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
رجل وهب لجميع أبنائه وبناته، وحرم أحدهم لعقوقه، وعندما تدخل بعض المصلحين قال لهم الابن العاق: “هذا ليس والدي، ولا أعرفه”، فأمهله الأب لمدة تجاوزت ثماني سنوات، لعله يرجع ويؤوب؛ لكنه لم يزدد إلا عتوا وعنادًا، وإساءة لأبيه، فما حكم ما فعله الأب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الهبةَ لبعضِ الورثةِ دونَ البعضِ، إذا كانَ الغرضُ منها حرمانَ بعضِ الورثة والإضرارَ بهم، لا تجوز؛ لمخالفتها قصدَ الشارع من قسمة الميراث بالعدلِ، قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء:11]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم) [البخاري:2587،مسلم:1623]؛ ولكن إذا لم يكن الغرضُ من الهبة هو الإضرار، وإنما مراعاة الضعيف أو المريض، أو الأكثر بِرًّا وإحسانا؛ فقد يكون للهبة ما يبررها شرعًا.
وعليه؛ فيجوز للأب أن يخص بعض أولاده البارين به ببعض أملاكه؛ تشجيعًا لهم وإكراما، ولا يعطيهم كل ماله؛ لئلا يحرم وارثًا من حقه في الميراث، فقد نحل أبوبكر الصديق رضي الله عنه ابنته عائشة عشرين وسقًا بالغابة، واختصها بها دون أختيها، [الموطأ:86]، وفي البيان والتحصيل: “وسئل مالك: عن الرجل يكون له ولد فيبره بعضهم، فيريد أن يعطيه من ماله دون بعض، أذلك له؟ قال: نعم، لا بأس به، ذلك له. قال محمد بن رشد رحمه الله: إنما أجاز مالك أن يعطى الرجل العطية لمن يبره منهم؛ لأنه لم يقصد بذلك إلى تفضيل بعض ولده على بعض، وإنما أعطى البار جزاء على بره، وحرم العاق أدبًا لعقوقه، فلا مكروه في ذلك إن شاء الله، وإنما المكروه أن يفضل بعض ولده على بعض، فيخصه بعطية، مخافةَ أن يكون ذلك سببا إلى أن يعقه الذي حرمه عطيته، أو يقصر فيما يلزمه من البرِّ به” [400/13]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
23/شعبان/1437هـ
30/مايو/2016م