الشكوى من حوادث الانتحار وصفة ربانية لعلاج المكاره
بِسْم الله الرحمن الرحيم
الشكوى من حوادث الانتحار
وصفة ربانية لعلاج المكاره
المؤمن يعلم من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن ما يصيبه من خِذلان وحِرمان، أو كرب وغم وهم في البدن والنفس، أو شدة في العيش وضيق في الرزق، أو ذِلة ومهانة، أو خوف على نفس أو مال وولد، سببه المعاصي والظلم، والتعدي على حدود الله وحرمات المسلمين، منه أو من غيره مع سكوته عن إنكارها، قال الله تعالى: ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ…) (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.. ) وقال صلى الله عليه وسلم: (وَلا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا ابْتُلُوا بِالسِّنِينِ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ)، (وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا سلط الله عليهم الطاعون وظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)، (وما حكم حكامهم بغير ما أنزل الله وتخيروا إلا جعل بأسهم بينهم).
هذا حال المؤمن، البلاء يُذكره بربه، ليُراجع نفسه ويتوب فيرفع الله عنه المكاره، أما الغافلُ إذا نزل به البلاء وأصابته الضراء، فيقيم على المعاصي ولا يتذكر حتى ينتحر ويهلك، وانتحارُه ليس بالضرورة انتحار الحبل والمشنقة على أعواد الأشجار، أو في دورات المياه، بل انتحاره وهلاكه في دوام الغفلة، فلا ندم ولا توبة إلى أن يلقى ربه بأوزاره، فذلك الهلاك الذي لا قومة معه.
الانتحار الحقيقي هو أن ينسى الناس ما هم عليه من المعاصي والظلم، أن ينسوا الأسباب الحقيقية للهلاك ويتعلقوا بما تولد عنها، يُحَمِّلونها مسؤولية ما نزل من بلاء.
يُنسَى السبب الأول وهو أهم الأسباب، فلا يلقى له بال، وهو يقرع الآذان ليل نهار !
نقول مثلا من أسباب حوادث الانتحار هذه الأيام المخدرات، أو مشاهدة برامج مرعبة، أو مزاولة ألعاب تُحدث تخيلات وأوهاما تتحول إلى معتقدات باطلة، أو وسوسة وتسلط شياطين إلخ.
هذه قد تكون أسبابا، ولكنها جميعا متولدة عن السبب الأول، وهو ابتعادنا عن جعل الدين الذي ارتضاه الله لنا منهج حياة في البيت والطريق، والمدرسة والمكتب والمتجر.
يا من تريد أن تعرف سبب البؤس مثلا في انتظارك يوما وليلة أمام المصارف، تُذل وتُهان، وتُدفع بالأبواب، لتأخذ بعض مالك، أو تعرف سبب غلاء الأسعار الفاحش وارتفاع الدولار، أو سبب تسلط حفتر وأذرعه عليك، سواء كنت في الشرق أو الغرب أو الجنوب، أو سبب تكرر حوادث الانتحار هذه الأيام، عليك أن تجيب عن الآتي:
هل أنكرت المنكر وغضبت على الظلم الذي تراه بالقدر الذي تقدر عليه لتُبرئ ذمتك منه ولا تركن إليه، كما حذّرك ربُّك (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)؟
هل انحزت في إنكارك عليه إلى أهل الحق وكثّرت سوادهم كما أمرك ربك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)؟
هل أخذت على يد الظالم ولو كان ابنَك أو من بلدتك وقبيلتك، وتبرأت من عصبية الجاهلية كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعوها فإنها منتنة)، ووقفت عند قوله: ( لو أن فاطمة سرقت لقطع محمد يدها)؟
هل نظفت مالك ونفقتك من الحرام، وأنكرت على ابنك ما أتى به إليك من مال أو متاع لا تعرف مصدره؟
هل أديت عملك في المكتب بما يطيب به مرتبك وقد علمت أن (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به)؟
هل أيقظت أولادك إذا بلغوا سبعا لصلاة الفجر، وتعهدتهم لباقي الصلوات كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع)؟
هل أوليت أولادك رعاية متواصلة، لا تغفل ولا تفتر، دون أن تُشعرهم بالرقابة الدائمة عليهم، لتعرف من يخالطون وماذا يشاهدون، كما أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم: (فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤل عن رعيته)؟
هل أذنت في بيتك لدخول الملائكة ومنعت عنه الشياطين، فلم تدخل بيتك كلبا ولا صورة تمثال؟
هل حافظ أهل البيت على الأذكار وتلاوة القرآن، وعوّدت نفسَك وأولادك عند الخروج من البيت أن تقول: بِسْم الله توكلت على الله، حتى يقال لك: هٌديت وُقيت وكُفيت، وتقول الشياطين: لا طمع لنا فيمن وُقي وكُفي، فلا تتسلط عليك (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا)؟
هل قمت بتشفير قنوات الرذيلة، والقنوات التي تبث الأخبار الكاذبة والفتن، ولو زعمت أنك لا تُصدقها، لئلا تكون كما قال الله في اليهود: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)؟
هذه وصفة المؤمن لعلاج ما يصيبه من بلاء ومكروه ، أما الغافل فيتعلق ببعض الأسباب الفرعية، ويغفل عن سبب الأسباب. ويقول كما قال قوم شعيب لنبيهم عندما مسهم الله بعذاب، (وَالسَّرَّاءُ) فنسبوا الضر إلى حوادث الدهر الصرفة، ونسوا ربهم، فأنساهم أنفسهم.
أرانا الله كرامة بعض من قتلوا في جبهة بنغازي – ولا نزكيهم على الله – فقالوا: (هذه أرض قنفودة ملح لا تأكل الأموات)، ابتلانا الله بانتحار شباب في مقتبل أعمارهم، فقلنا: (هي لعبة تشارلي).
ما الذي يتوقعه من يُناصر الظلمة ممن خربوا الأوطان، وأحرقوا الديار، ونبشوا القبور، وبعثروها للشياطين والسحرة، وشنقوا جثت الأموات، والقومُ بين راقص على الأشلاء، وساكت أو مؤيد مبرر لما يرى؟
لا أرى الانتحار والشنق الذي نشكوا منه – والله أعلم – إلا بعض ما نستحق، جزاء وفاقا على شنق الأموات، واستجابة لصرخات الأمهات و المظلومين لرب العالمين من شناعة ما يفعل الظالمون، فالجزاء من جنس العمل!
يا قوم توبوا إلى الله وانزعوا أيديكم من هذا الظالم، أما آن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟!
(أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
2 شعبان 1438 هـ
29 أبريل 2017 م