الحيازة في الهبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3290)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
وهب وأسقط وتنازل بغير عوض (س)، لزوجته: (ف)، وأبنائه الثلاثة، وهم: (ح)، و(ع)، و(م)، و(د) نصف عقاره، الذي تبلغ مساحته (4000م2)، مقام عليه مسكن له ولعائلته، وبه بعض المحلات التجارية، على أن يكون لكل من الموهوب لهم حصة واحدة، من أصل ثماني حصص، فما حكم هذا التنازل أو الهبة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ هذا التنازل المذكور من قبيل الهبةِ، ومِن شروط الهبة أن يحوزَها الموهوب له في حياة الواهبِ، ويتصرفَ فيها تصرفَ المالكِ في ملكه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن ماتَ قبل أن تحازَ فهي ميراث” [الرسالة:117]، وقال ابن عرفة رحمه الله في تعريفِ الحوز: “رَفعُ تَصرُّفِ المعطِي فِي العطِيَّةِ بِصَرفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَو نَائِبهِ” [شرح حدود ابن عرفة:366/2]، وقال أبو الحسن المنوفي الشاذلي رحمه الله: “الحيازة هي وضع اليد، والتصرف في الشيء المحوز كتصرف المالك في ملكه؛ بالبناء، والغرس، والهدم، وغيره من وجوه التصرف” [كفاية الطالب الرباني:482/2].
فإذا كان البيت مع أرضه الذي وهبه لزوجته وأبنائه، قد خرجَ منه الواهبُ، ولم يعد ساكنًا فيه معهم، وقبض الموهوب لهم الريع – إن كان للموهوب ريع – في حياة الواهب، فهي هبة صحيحة.
وأما إن استمرّ في سكناه معهم إلى حين موته، فالهبة باطلةٌ؛ لأنه لا يتأتى لهم حيازته، حيث إن سكناهم فيه تبعٌ له، فلا تعدُّ الهبةُ صحيحةً؛ قال الدردير رحمه الله: “(و) صحت (هبة زوجة دار سكناها لزوجها لا العكس)، وهو هبة الزوج دار سكناه لزوجته، فلا يصح لعدم الحوز؛ لأن السكنى للرجل لا للمرأة، فإنها تبع له” [الشرح الكبير:106/4].
عليه؛ فإذا لم تتم الحيازة على نحو ما ذكر، فإن هذا التصرف هبةٌ لم تتم، فتكون باطلة، ويرجع ما وهبه الزوج لزوجته وجميع الورثة الأحياء يومَ وفاةِ الواهب، على حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18/شعبان/1438 هـ
15/مايو/2017م