طلب فتوى
الأذكار والأدعيةالصلاةالعباداتالعقيدةالفتاوى

الأحكام الشرعية لا تؤخذ من الرؤى والمنامات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3291)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

رأيت – وأنا بين النوم واليقظة – أن باب الرحمة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ألف مرة وقت العصر، فطبعت ورقة كتبت فيها: (اعلموا أنّ باب الخروج من هذه الأزمات وباب الرحمة، في الصلاة على النبي ألف مرة وقت العصر، ابتداءً من الساعة الثالثة إلى الخامسة تقريبا، وهو أن تقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما)، وصرت أعلقها في الأماكن العامة، وعلى أبواب المساجد، فأنكر علي بعض الناس بقولهم: بدعة؛ لأني حددت الوقت والعدد، فما حكم ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]، وإن ارتكاب الذنوب والمعاصي من أعظم أسباب نزول البلاء والمصائب؛ قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير) [الشورى:30]، وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].

ومن ذلك البلاء ما ابتلي به كثير من الناس في بلادنا؛ من تضييعُ الصلاة، والغفلة عن الخوف من الله، وأكل الحرام، وظلم العباد، وتضييع الحقوق، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والركون إلى الظالمين، والانضمام إليهم، وموالاتهم ومناصرتهم، وتزيين أعمالهم، والتستر على المجرمين، ونصرة أهل الفساد، ومحاربة المصلحين، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ذلك يستوجب غضب الله، وعذاب النار، وأخذ الناس بالسنين والشدة، وجور السلطان عليهم؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَّظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا) [الفرقان:19]، وقال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [هود:113].

وطريق الخلاص يكون بالمبادرة إلى التوبة، بالكف عن الظلم ومناصرة أهله، والتخلي عنهم، والإنكار عليهم بالقول والفعل، وبكثرة الاستغفار، وترك المنكرات، والإكثار من ذكر الله والدعاء، وعمل الصالحات، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ومن ذلك الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال أبي بن كعب رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ)، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ). قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا، قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) [الترمذي:2457]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن صلى عليَّ صلاةً صلّى الله عليه بها عشرًا) [مسلم:384]، ومن صلى عليه الله ربُّ العالمين فهو مرحومٌ بلا شكٍّ.

وعليه؛ فدعوة الناس إلى الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، أمر مطلوبٌ مرغوبٌّ، ومن أسبابِ الفرج، ولكن اشتراط أن يكون ذلك بعدد محدود، في وقت محدود، لا يكون ذلك إلا بدليل شرعي من الكتاب والسنة؛ لأن الأصل في العبادات التوقف، والأحكام الشرعية لا تؤخذ من الرؤى والمناماتِ، ولا باستحسان العقول، والتزام ذكر معين بعدد معين في وقت معين، والمحافظة عليه كأنه سنة، يدخله في نطاقِ البدعِ الإضافية، وينبغي تجنبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) [البخاري:2697،مسلم:1718]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

أحمد ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

18/شعبان/1438 هـ

15/مايو/2017م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق