بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3294)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
في المناطق الصحراوية بجنوب ليبيا، توجد أعدادٌ من الإبل غير موسومة، ولا يعرف مالكوها، تجوب الصحراء متنقلة بين الأودية وموارد المياه، ومن المعلوم أن هذه الحيوانات قد تقتل بعضها، خاصة الفحول في موسم التزاوج، وقد تسرق، وقد تموت نتيجة الجدب والقحط؛ لذلك حصل جدال بشأن هذه الإبل، فالبعض يرى عدم جواز التعرض لها، ووجوب تركها وشأنها، ويرى الآخرون وجوب إمساكها وبيعها، وصرف الثمن في مصالح المسلمين؛ كحفر وإصلاح الآبار، وشراء مولدات لاستخراج المياه من الآبار، وترميم المباني العامة؛ كالمدارس والمستشفيات، وعلاج الفقراء، وإعانة المحتاجين، وهذا يستلزم – على القول بجوازه – فتح حساب مصرفي، وتكليف لجنة من القادرين للإمساك بالإبل، مقابل أجرة على جهدهم واستعمال سياراتهم، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن ضالَّة الإبل لا يجوز التقاطها؛ ولما سَألَ رجلٌ عنها النبي صلى الله عليه وسلم (غَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وقال: (وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) [البخاري:91،مسلم:1722]، وهذا ما لم يُخفْ عليها الضياع، وإلّا الْتُقِطت وحفظتْ، فإن لم يقدر على حفظها بيعت، ووضعت في بيت مال المسلمين (الخزينة العامة)، ففي الموطأ عن مالكٍ رحمه الله أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ رحمه الله يَقُولُ: “كَانَتْ ضَوَالُّ الإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلاً مُؤَبَّلَةً، تَنَاتَجُ لاَ يَمَسُّهَا أَحَدٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ تُبَاعُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا” [759/2]، ولذلك اختلفت فيها الرواية عن مالك؛ قال اللخمي رحمه الله: “واختلف فيها عن مالك، فقال مرة: لا يعرض لها، ومن أخذها عرفها، فإن لم تُعْرَفْ ردها حيث وجدها، وقال مرة في من وجد بعيرًا ضالًا: فليأت به الإمام يبيعه، ويجعل ثمنه في بيت المال” [التبصرة:3209/7].
واشترطوا أن يكون الإمام عدلا؛ ففي البيان والتحصيل لابن رشد رحمه الله: “وإنما اختلف الحكم في ذلك من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لاختلاف الأزمان بفساد الناس، وكان الحكم فيها في زمن النبي – عَلَيْهِ السَّلَامُ – وخلافة عمر بن الخطاب: أن لا تؤخذ، فإن أخذت عرفت، فإن لم تعرف حيث وجدت تركت، ثم كان الحكم فيها في زمن عثمان، لما ظهر من فساد الناس، أن تؤخذ وتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقفت أثمانها، وكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيها اليوم إن كان الإمام عدلا” [360/15].
وعليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، من أنها يخشى عليها الضياع، وليس هناك إمام عدل – كما هو الحال – فعلى جماعة المسلمين أن يقوموا مقام الإمام، ويستعينوا ببعض الإداراتِ المأمونة في أجهزة الدولةِ، ويعملوا على التقاطِها وتعريفها ما أمكنَ، فإذا لم يأتِ أحدٌ تثبت له ملكيةٌ عليها، فإنها تباع، وينفق من ثمنها على علفها، وعلى ما يحتاج إلى رعايتها وجمعها من الصحراء، ويصرف ثمنها في المصالح العامة، على نحو ما ذكر في السؤال، فإن جاء أحد بعد ذلك يثبت ملكية شيءٍ منها أعطيَ الثمن، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18/شعبان/1438 هـ
15/مايو/2017م