بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3362)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
وهب أبٌ قطعة أرض لأبنائه، فتصرفوا فيها بالبناء عليها والسكنى، ويريد الأبُ الآن الرجوع في الهبة، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الهبة تلزم بالقول ونحوه من الواهب، وتتم بقبضها والتصرف فيها من الموهوب له في حياة الواهب، ولا يجوز رجوع الواهب في هبته بعد لزومها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “العائد في هبته كالكلب، يقيء ثم يعود في قيئه” [البخاري:2589، مسلم:1622]، ولكن إذا كان الواهب أحد الوالدين، فإنه يجوز له خاصة الرجوع في الهبة؛ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) [أبوداود:3539]، ويسمى رجوعه: اعتصارا، قال الباجي رحمه الله: “فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الِاعْتِصَارِ لِلْأَبَوَيْنِ” [المنتقى:116/6]، إلا أن جواز رجوع الوالدين في الهبة مقيد بقيود، منها عدم فوات الشيء الموهوب، بالتصرف فيه ببيع أو هبة أو زيادة أو نقصان، قال الخرشي رحمه الله: “شرط صحة الاعتصار للهبة أن لا تفوت من عند الموهوب له؛ ببيع أو غصب أو عتق أو تدبير، أو بزيادة أو نقص” [شرح المختصر:113:7]، وقال اللخمي رحمه الله: “ولو كانت أرضًا فغرسها أو بناها كان فوتًا” [التبصرة:3527/8]، وقال التسولي رحمه الله: “لأن تغيرها بذلك يصيرها غير الموهوب” [البهجة:407/2].
وعليه؛ فلا يجوز للأب استرجاع قطعة الأرض الموهوبة؛ لفواتها بالزيادة فيها بالبناء والسكنى، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14/ذو الحجة/1438هـ
05/سبتمبر/2017م