بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3492)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
وجدتُ مبلغا ماليا ذا قيمة، ملقًى في محيط محلّة الفتح بسوق الجمعة، ولم أعرف صاحبه إلى الآن، رغم إعلاني عنه في محيط المنطقة المذكورة، فأرشِدوني كيفَ أتعامل مع هذا المبلغ؟ وما هي الأحكام المتعلقة به؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجب التعريف باللقطة التي لها بالٌ، ويرجع في معرفة قدر ما له بالٌ إلى العرف، و ما له بال هو ما تتعلق به النفس بصورة كبيرةٍ، ولا تتهاون فيه، فالتافه الذي لا تلتفتُ إليه النفسُ لا يعرّف، وما كان فوق التافه، إلا أنه ليس بالكثير فيعرّف أيامًا فقط، ولا يعرفُ سنةً كاملةً، كما هو الشأنُ في اللقطةِ، قال الدردير: “وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ التَّافِهِ إلَّا أَنَّهَا دُونَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ بَالٌ، فَتُعَرَّفُ أَيَّامًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِمَظَانِّ طَلَبِهَا لَا سَنَةً (لَا تَافِهًا) أَيْ لَا إنْ كَانَ تَافِهًا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ النُّفُوسُ كُلَّ الِالْتِفَاتِ، وَهُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ مَا لَا تَلْتَفِتُ النَّفْسُ إلَيْهِ وَتَسْمَحُ غَالِبًا بِتَرْكِهِ” [الشرح الكبير:120/4].
ويجب على الملتقط أن يضبط صفتها وعددها ووزنها ووعائها ورباطها، إلى آخر ذلك من أوصافِ كلِّ عين، ويعرفها سنة كاملة من يوم التقطها، فعن زيد بن خالد الجهني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة، فقال: (عَرِّفْهَا سَنَةً) [البخاري:2295]، ويجب على الملتقط أن ينادي عليها، ويسأل في كل مكان يظنُّ وصول الخبر منه إلى صاحبها، كالأسواق والمحلات التجارية، وأبواب المساجد، ووسائل الإعلام، دون ذكر الجنس والنوع، كأن يقول: من ضاع منه شيءٌ أو مالٌ، ويكرر بحسبِ الاجتهاد، فإذا جاء من يدعِي ملكها طلب منه ذكر أوصافِها، أو قيمتِها إن كانت مالا، قال الدردير: “(وَلَا يَذْكُرُ) الْمُعَرِّفُ وُجُوبًا (جِنْسَهَا) (عَلَى الْمُخْتَارِ) بَلْ يَذْكُرُهَا بِوَصْفٍ عَامٍّ كَمَالٍ، أَوْ شَيْءٍ، وَأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ النَّوْعِ وَالصِّنْفِ” [الشرح الكبير: 121/4]، ويخص الوعاء كالمحفظة أو الكيس الذي وجدت فيه، والعدد إن كانت معدودة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم احفظْ عِفاصَها ووِكَاءَها، فإنْ جاءَ أحدٌ يخبرك بها وإلا فاستنفِقْها) [البخاري:2295]، والعِفاصُ هو الوِعاء، والوِكاءُ هو الخيط الذي تُربط به، والمراد معرفة العلامات التي تدل على صدق المدعي لملكية هذه اللقطة، فإذا ذكر هذه الأوصاف أعطيت له دون يمين، إلا إذا نازعه فيها أحد آخر، فإن تنازعَ فيها شخصان واتفقا على وصفها، حلفَ كل منهما على أنها له، وأعطيت لمن حلف، وإن حلفَا قُسمت بينهما، قال خليل: “ورُدّ بمعرفة مشدود فيه وبه وعدده بلا يمين، وقضي له على ذي العدد والوزن وإن وصف ثانٍ وصف أول ولم يبن بها: حلفا وقسمت” [المختصر:216].
وإذا عرّف بها سنة ولم يأت أحد بوصف يستحقها به، فواجدها مخير بين أن يحفظَها عنده أمانة، أو أن يتصدقَ بها على صاحبها، أو على نفسه، أو أن ينويَ تملكها ويتصرفَ فيها، وفي حالتي التصدق والتملك فعليهِ ضمانُها، إذا جاء صاحبها وطالب بها، ففي رواية مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني: “فإن لم تعرفْ فاستنفقْها، ولتكنْ وديعةً عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدِّها إليه” [مسلم: 1722]، وهذه الأحكام في غير لُقطة مكة ولقطةِ الحيوانِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
23/جمادى الأولى/1439هـ
08/فبراير/2018م