حق الشفعة بعد قسمة المراضاة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3501)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
قطعة أرض موروثة مساحتها 500م2، عليها بناء مكون من بيت أرضي فوقه شقتان؛ كل دور فيه شقة، فقام الورثة بقسمتها بالتراضي، فأعطوني الدور الأول، وأعطوا أخي الدور الثاني، والسطح بيننا، والمدخل والفناء الغربي مشترك بين الشقتين، وأخذ باقي الورثة البيت الأرضي ومعه الفناء، من الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية، والآن أردت بيع شقتي لأجنبي عن العائلة، بعد عجزهم عن شرائها، فاعترضوا بأن في ذلك ضررا عليهم، كونه غريبا، وتوجد نوافذ في الشقة تطل على الفناء الخاص بهم، وأن قسمة المراضاة لا تعطيني الحق شرعا في بيع الشقة، وطلبوا مني الانتظار حتى يتمكنوا من إيجاد حل، فما حكم ذلك؟ علما بأن هذا المشتري يعلم بأن باقي العائلة يرفضون دخول غريب بينهم.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا حرج على الورثة في اقتسام التركة على ما يتراضون عليه، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين، ويكونون بذلك كأنهم باعوا حصصهم إلى بعض، وإذا وقعت القسمة على المراضاة بين الورثة فهي لازمة ماضية، وكل منهم له حق التصرف في نصيبه بأنواع التصرف الجائزة، كالبيع ونحوه؛ قال الباجي رحمه الله: “وأما قسمة المراضاة بغير تقويم ولا تعديل، فهو أن يتراضى الشركاء على أن يأخذ كل واحد منهم ما عُين له، ويتراضوا به من غير تقويم ولا تعديل، فهذه القسمة تجوز في المختلف من الأجناس… وهذا الضرب أقرب إلى أنه بيع من البيوع” [المنتقى:391/5].
وليس للمعترضين على البيع حق الشفعة بعد القسمة، وإن اتحد الفناء والطريق؛ لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) [البخاري:2214]، وقال ابن أبي زيد رحمه الله: “ولا شفعة فيما قد قسم، ولا لجار، ولا في طريق ولا عرصة دار قد قسمت بيوتها” [الرسالة:117].
وهم أولى بالشراء مِن غيرهم بالقرابة والجوار؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجارُ أحقُّ بسَقَبه) [البخاري:2258]، فينبغي أن تتفقَ معهم على مهلةٍ لا تتضررُ بها، حتى يوفروا المبلغ المطلوب، خاصة وأن دخول غريبٍ بينهم يسبب لهم نوعًا مِن الحرج والضيقِ.
وإذا كانَ الورثةُ يماطلونَ، وغيرَ قادرينَ على الشراءِ، وأردتَ البيعَ؛ فعليك أن تصلح مِن أمرِ النوافذِ، بحيثُ لا يقدر الناظرُ – الواقفُ داخل بيتك دون صعودٍ على شيءٍ – على التطلعِ منها على باقي الورثةِ، وكذلك عليكَ أن تصلحَ المدخلَ الخاصّ بكَ، إنْ كان مكشوفًا يضرّ بالآخرين؛ لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ ولا ضِرارَ) [الموطأ:2184، ابن ماجه: 2331]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03/جمادى الآخرة/1439هـ
19/فبراير/2018م