ولكنه سهم وثان وثالث (1) أزمة اتصالات ومواصلات
بسم الله الرحمن الرحيم
رداءة الاتصالات لم تكن في يوم من الأيام أسوء منها الآن، استوى في ذلك الشركتان الوحيدتان؛ ليبيانا والمدار.
لا يكاد المتصل بالهاتف النقال هذه الأيام ومنذ شهور يدخل التغطية من المحاولة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وإن فرح مرة بالرد، وحالفه الحظ، فلن تتم له الفرحة، فما أن يُكْمِل السلام، ويبدأ في الكلام،حتى يضعف الصوت، ويتذبذب ثم يتقطع ويتحول أبكم! فيذهب الحظ ويختفي الرد،
وعليك أن تعيد المحاولة، فقد تنجح بعد عناء طويل، وقد لا يُسعفك العناء، فتستسلم للقضاء، وفي كل محاولة الرصيد يتناقص دون مردود، فيشعر المتصل بضيق الصدر وحلول الغم، فلا الحاجة مَقْضِيَّة ولا المال باقيا!
وفي كل الأحوال حتى مع الفرحة بالتغطية يصل الصوت ضعيفا، وكأنه يأتيك من قعر بئر!
هذا حال الاتصالات!
فإذا ما تعبت ويئست من الاتصال وعزمت على أن تَحْضُر بنفسك، وتتحمل المشاق، فعليك أن تَحْسِب لوسيلة النقل ألف حساب، فلن تجد للمواصلات العامة في البلد أثرا، ولعلها الدولة الوحيدة في هذا الكون التي اختفت منها المواصلات العامة منذ عقود، وكأن المسؤولين على المواصلات حتى بعد الثورة وزوال الفساد قالوا: (إن الأصل بقاء ما كان على ما كان!)
وغياب المواصلات العامة أَحْوَجَ الأسرة الواحدة أن تمتلك أكثر من مركبة، فازداد عليها عبء المال واختنقت المواصلات، وضاقت بها طرقات، لم تر تطويرا ولا حلولا بعد الطريق الدائري القديم، الذي رُسمت مخططاته منذ عشرات السنين، قبل انقلاب القذافي، مع السيل العارم لاستيراد السيارات المتدفق من كل حدب وصوب، وحتى ما هُدم من المباني والطرقات والأسواق لتوسعة المدن أيام عصابات الفساد، اكْتُفِيَ منه بالهدم، وانتزاع الملكية، وبقي مُتَصَحِّرا لم يُصلح منه إلا القليل.
حرب أعصاب للمواطن لا يدري في أي جبهاتها يصمد، وفي أيها يَفرغ صبره ويفشل، فهي متصلة الحلقات، لا تفارقه في زحمة الحياة، تتناوشه من كل الجهات:
لو كان سهما واحدا لاتَّقَيْتُه …. ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ
وكما قال أبو الطيب:
أبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ …. فَكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزِّحامِ؟
وإلى حلقة أخرى مؤلمة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
4 ذو الحجة 1433 هـ
الموافق 20 أكتوبر 2012 م