بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (684)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
حكم إزالة المنابر في المساجد بحجة أنها تقطع الصف الأول، علماً بأن بعض المساجد محميةً بقانون مصلحة الآثار، ورغم ذلك سمح مكتب سوق الجمعة بإزالة منبر مسجد القريو بموجب رسالة موجهة إلى اللجنة الإدارية في المسجد، ولم ينفذ إلى حدّ الآن، نرجو منكم إعطاءنا الرأي الشرعي في هذا الشأن تجنباً لإثارة الفتنة بين سكان المنطقة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمما يندب للإمام أن يخطب على منبر أو شيء مرتفع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصنع له المنبر يستند إلى جذع نخلة، فلما صنع له المنبر، وتحول إليه، سمع للجذع أنين وبكاء مثل أصوات العشار، سمعه أهل المسجد فنزل إليه وضمه، وكان منبره صلى الله عليه وسلم على ثلاث درجات، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “وَكَانَ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيرًا، إِنَّمَا هُوَ ثَلاَثُ دَرَجَاتٍ” أحمد (1/ 268)، قال النّوويُّ “أجمع العلماءُ على أنّه يُستحبّ كونُ الخطبةِ على منبرٍ للأحاديثِ الصّحيحةِ التي أشرْنا إليها، ولأنّه أبلغُ في الإعلامِ، ولأنّ النّاسَ إذا شاهدوا الخطيبَ كان أبلغَ في وعظِهم” [المجموع للنووي: 527/4]، والأولى في المنابر أن تصمم بصورة لا تقطع الصف الأول؛ لورود النهي في ذلك، كما في حديث قرة بن إياس المزني رضي الله عنه “كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا” [ابن ماجه:1002]، فإن حصلت صورة تفضي إلى انقطاع بعض الصفوف لوجود اسطوانات في المسجد، أو امتداد درج المنبر إلى الصف الأول والثاني، كما يوجد في بعض المساجد، ولم يمكن تفادي انقطاع الصف بذلك لضيق المسجد عن المصلين، وعدم اتساعه، فلا حرج فيه إن شاء الله؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، قَالَ مَالِكٌ: “لَا بَأْسَ بِالصُّفُوفِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ” [المدونة: 195/1]، قال ابن عرفة: “مفهوم المدونة إذا كان المسجد متسعا كرهت الصلاة بين الأساطين” [التاج والإكليل: 106/2]، وقال ابن العربي: “ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به” العارضة (27/2)، والمحافظة على المساجد القديمة التي تحمل تاريخا يربط بالماضي، ويذكر بدورها العلمي أمر جيد، لكن بشرط أن تُعَمَّر بالعبادة، وتصمم على أنها جزء متصل بالبناء الجديد، لا أن تجهز وتبقى متحفا للسواح، ولا يجوز لأحد إحداث أي تغيير في المساجد أو ملحقاتها إلا بعد الرجوع والإذن من وزارة الأوقاف، أو من ينوب عنها من مكاتب الفروع؛ لأنها هي الجهة المخولة والمسؤولة بفض النزاعات في مثل هذه الأمور، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20/المحرم/1434هـ
2012/12/4