الاختلاف المحمود والاختلاف المذموم الحلقة الثانية: الاختلافُ المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الاختلاف المحمود والاختلاف المذموم
الحلقة الثانية:
الاختلافُ المحمود
الاختلاف المحمود نوعان:
1- الاختلافُ في الفروعِ والمسائلِ الفقهيةِ اختلافَ اجتهادٍ وبحثٍ في الدليلِ؛ كالاختلافِ بَين المذاهبِ الفقهية المعروفة، ومنها المذهبُ الحنفيّ والمالكيّ والشافعيّ والحنبليّ، مثل اختلافِهم في مسألةٍ مِن مسائلِ الصلاةِ، كهل تجب الجمعة يوم العيد أو لا تجب؟ أو في مسألة من مسائل الزكاةِ؛ كهل يجزئ إخراج القيمة في الزكاة أو لا يجزئ.
والأصل فيه اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت لهم في المسألة الفقهية الواحدة أقوال، كان أبوبكر وعمر رضي الله عنهما يجتهدان فيختلفان، وكان لابن عباس مذهب، ولابن عمر مذهب، ولم يعنّف النبي صلى الله عليه وسلم المختلفين من أصحابه، في أدائهم لصلاة العصر يوم خروجهم لبني قريظة.
2- الاختلافُ في شؤونِ الدنيا؛ لإنجاحِ مقاصدِها، وما يحققُ للنّاس الحياةَ الكريمةَ.
مثالُ الاجتهاد المحمود في أمور الدنيا؛ الاقتباس مِن معارفِ الآخرين، والاستفادة من التجاربِ الإنسانية والأبحاث العلمية، في شؤون الحياةِ عامة، التي أوكلَها النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أهلِها، في قوله: (أَنتُم أَدرَى بشُؤُونِ دُنياكُم) [مسلم:2363].
شريطة أن يكون ذلك في ظلّ التقيدِ بشرعِ اللهِ وأحكامِه، وعدم تجاوزها.
والرجوع واجب في معرفة التقيد بأحكام الله أو تجاوزها إلى أهل العلم؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يُقدِم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه، وذلك إجماع؛ لأن شرع الله أتى لحكم الدنيا والآخرة، ولم يأتِ لبيان أحكام الآخرة وحدها.
فهذا الاختلافُ، المقيد بما سبق، بقسميهِ؛ الفقهيّ (اختلاف المذاهبِ الإسلامية على وفق الدليل)، والمعرِفيّ (اختلاف الخبراتِ والتجارب)، هو مِن الاختلافِ المحمودِ؛ لأن الأصلَ فيه أنه لا يؤدّي إلى فرقةٍ ولا نُفرةٍ، بل فيه إثراءٌ للمعارف، وتكاملٌ في الفقهِ، وقوةٌ لآصرة الأمة، واستعانةٌ على الخير بما ينفعُ الناس، وهذا مقصدٌ في الدين، أمرَ الله تعالى به، فقال: (وَلتَكُنْ مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخيرِ)، وأخبرَ عن أهله بقولِه: (وَأُولَئِكَ هُم المُفْلِحُونَ)، ومَا كان مِن هذا الاختلافِ في الفروعِ علَى وفقِ الدليلِ الشرعيّ، فصاحبُه مأجورٌ؛ أخطأَ أو أصابَ، كما قالَ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا اجتَهدَ الحاكِمُ فَأصَابَ فله أجرانِ، وإذا حَكَمَ فاجتهدَ فأخطأَ فلهُ أجرٌ) [البخاري:7352، مسلم:1716].
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الثلاثاء 12 شوال 1436 هـ
الموافق 28 يوليو 2015 م