طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون)

بِسْم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(

 

أولياءُ الشياطين، هم أحبابهم وأصحابهم وأعوانهم من الإنس، وقد سَمَّى الله تعالى من الإنس شياطين، فقال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).

إخوانُ الشياطينِ، بعضهم أولياءُ بعضٍ، يتعاونون علي بلوغِ غاياتِهم الرديئة، ويتوادون ويتناصرونَ على أولياءِ الرحمن.

 والآية الكريمة، وإنْ كانت في أولياء الشياطينِ، الّذين لا يؤمنونَ باليوم الآخرِ؛ فهيَ تحذرُ أيضًا أولياءَ الرحمنِ المؤمنينَ، الذينَ يؤمنونَ بالله واليوم الآخرِ، أن يَفعَلوا فعلَهم، في المؤانسة والمعاونة على الشر وفتحِ أبوابِه، وقتل الخير وسدِّ أبوابِه، هؤلاء هم مع شيطان الجنِّ فريقٌ واحدٌ.

يعقدُ إبليسُ المجالسَ مع أوليائهِ مِن الإنسِ، وهم لا يرونَه، (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)، فهو حاضرٌ معهم بمشورتِهِ وتخطيطه وتدبيره.

 فما يدبّرهُ أهلُ الفسادِ، ويخططُ له أهلُ الشرّ والضلالِ، ممّا لا يُرضي اللهَ؛ مِن كيدٍ للدين، ودسٍّ ومكرٍ وبُغضٍ لأهل العلم وحملة الشريعة، ومن   تآمرٍ وبيعٍ للأوطانِ للعدوِّ بأبخسِ الأثمان، ومن سلبٍ ونهبٍ للمالِ العام، ومِن قتلٍ وخطفٍ للأبرياء الأخيار، بتدبيرٍ أو تنفيذٍ، ومن احتيالٍ وسطوٍ على ما حرّمه اللهُ، مِن مالٍ أو نفسٍ أو عِرضٍ، أو بما يَنشطونَ له مِن تزويرٍ في الإعلامِ والصفحاتِ، بقلبِ الحقائقِ وترويج الأكاذيب، ومن التستّرِ على المجرمينَ، وتشويهِ العاملينَ للحقِّ والمخلصينَ، أو بما تقوم به دولٌ – يستعملُها أعداءُ المسلمين – من إنفاق خزائن أموالِ شعوبِها على قتلِ شعوبٍ أخرَى، وتخريبِ أوطانِها، وتمكينِ عدوّها منها بغيًا وعدوانًا، أو ببذلِ المالِ لشراءِ ذممِ المفسدينَ، لقتلِ العلماءِ والعداءِ للدّين، أو بشراءِ المأجورينَ للقيامِ بعمل المنافقينَ، بنشر الأراجيف والتخذيلِ؛ تفريقا للصفوف، وترويجًا لباطلٍ يقبضونَ ثمنَه من أعداء الله، سحتًا حرامًا، باعوا بها أوطانهم، سيلحقهم خِزْيُها وعارُها، ويُنْصَبُ لهم غَدْرُها يوم الدين على رؤوس الأشهاد، وفِي دنياهم أينما كانوا وحيثما حلوا.

 

 كلّ هذا وغيرُه، ممّا فيه انحرافٌ على صراطِ الله المستقيمِ، لإبليسَ فيه النصيبُ الأكبر، بالوسواس والتلبيسِ والتزيينِ، فهو حاضرٌ فيما يعقدونَه مِن مجالس المكر، الليل والنهار، يراهُم هو وقبيلهُ مِن حيثُ لا يرونَهم، فهو – على الحقيقة – الذي يضع الخططَ، ويعقدُ الصفقاتِ، ويحددُ الأسعارَ، ويجرِي بهم هنا وهناكَ، وينسبه المغرورُ مِن شياطين الإنسِ إلى ذكائهِ وفطنتهِ؛ ليُظهرَ مواهبه لسادته وكبرائه، ثم لا يَرى قُبْحَ عمله، الذي أردَاهُ فيه إبليس، لِظُلْمةِ قلبهِ، وإنه ليقوده أحيانا فيما يخطط له إلى حتفه، فَرِحا وهو لا يدرى، ليُصبح من غده محمولا إلى ربه.

والعجَبُ ليس ممَّن تردَّى في هذا الدَّركِ، وتورّطَ في هذا السَّفْل، وسقطَ في هذا الوحلِ، وإنّما العجبُ كلّ العجبِ ممّن يرى مِن العقلاءِ فِعْلَه ثمّ لا يُنكرُه، ولا ينفضّ عنه، يقول القرآن (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).

العجبُ ممّن يرى قُبحَ هذا القبيحِ شاخصًا ماثلًا، يمشي على الأرضِ، يكادُ الأعمَى يبصرُه، ثمّ هو لا يبصرُه!

مِن بني قومِي، من لم يزَلْ لم يُدرِك قبحَ هذا القبيحِ، مهما اشتدّت حِلْكة ليلِه، وأصابَ الناسَ مِن شرِّه وضيرِه، وترويعِه وتجويعِه، ومهما انتهكَ المجرمونَ فيه مِن حرماتٍ!

حتى لو دُنّست السيادةُ، وقَتَلَ العدوُّ الأجنبيّ بطائراتِه أبناءَ البلدِ، ودمّر المدنَ، ورُدّ الأعداءُ المرتزقةُ إلى الموانئِ؛ ليُعطَى لهم النفطُ المجانيّ، الذي حُرم منه ابنُ الوطنِ.

حتى لو تفكّكتِ الدولةُ، وعملت بلا قانونٍ ولا شِرعة، وانعدَمَ الأمنُ، وتربّع قُطاعُ الطرقِ على العروشِ، وأتَى اللصوصُ على البنوك، وأُحرقتِ البيوتُ.

حتى لو قُتلَ العلماءُ، وسُلبت أموالُ الأغنياءِ، وعزَّ القوتُ، وجُن جنون الدولارُ، وشطت الأسعارُ.

حتى لو كُمّمت الأفواهُ، وهُدّدَ كلُّ ناشطٍ حُرٍّ مدافعٍ عن الحقِّ بالقتلِ والخطفِ، وبزوّار الفجرِ وسجونِ التعذيب وأليم السياط، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُعذبُ الّذينَ يعذِّبونَ النّاسَ).

حتى لو سُلبَ الثوارُ ثورتَهم، وسامَهم سوءَ العذابِ مَن جلَّسوهم على الكراسِي وحرسُوهم، ومكّنوا لهم في الأرضِ.

 حتى لو شُنقَ في بلادِي الأمواتُ، وأُضرمتِ النيرانُ في أجسادٍ نُبشت قبورُها، وأخرَى لأُسرٍ وأمهاتٍ وآباءٍ وبناتٍ أُبيدت في الميدانِ بأكملِها، قُتلت صبرًا، واتُّخذت غرَضًا، ثمّ وُضعَ بعضُها على بعضٍ وأُجِّجت بها النيرانِ، كما فَعل في بنغازِي فرعونُ ونمرودُ الزمانِ.

 حتى لو حدثَ هذا وأكثرٌ منْ هذا، ممّا يشيب له الولدان، فلا يزالُ في بني قومي مَن يقولُ: لا مَخلصَ للوطنِ إلَّا مِن خلالِ المشروعِ الذي أصابَنَا بكلِّ هذا الكمدِ!

 فيا لَـلَّه مِن سكرةٍ، ويا لَـلَّه مِن غفلةٍ …

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)

 الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

5 رجب 1438 هـ

الموافق 2 أبريل 2017 م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق