التهمة بتعطيل الحوار!
بسم الله الرحمن الرحيم
التهمة بتعطيل الحوار!
مَنْ لم يُسارع بمباركة الحكومة، التي أولُ ما أُعلنت كانت على الهواء بالصخيرات، وفاجأت كلَّ التوقعات – هو مُعَطِّل!
حتى من كانوا شركاء في الحوار ذُهلوا من المفاجأة، لكن من لم يُؤيِّد المفاجأة ويُسندها، فهو متشدد، لا يعمل لمصلحة ليبيا!!
يا أعضاء المؤتمر الوطني الكرام، أين الثوابت التي انطلقتم منها إلى الحوار؟ هل بقي لكم منها شيء؟!
مسودة لا تزال عليها خلافات جوهرية لم تُحَل، منعوكم أن تتكلموا عنها قبل الموافقة على الحكومة!
مسودة خوَّلت أحدَ الطرفين بأن يكون الجسم التشريعي الوحيد، وأعطته الْحَقَّ في أن جميع المناصب السيادية، وجميع التشريعات والقوانين الصادرة بعد التوقيع، لا تصير نافذة إلا إذا اعتمدها، وأعطت الطرف الآخر (المؤتمر الوطني) بعد أن سلبته حتى اسمه – منصب المستشار !
على طريقة العالَم الثالث، من أردتَ أن تتخلّص منه، وتضعَه على (الرف) حَوِّله مستشارا، يبقى هناك إلى أن يقضي نحبه، ومِنْ غير عمل!
أحْكِموا المسودة، واضمَنوا فيها حقوق من ائتمنوكم، فلا تُضَيِّعوهم – عملا لا قولا! – ثم تكلموا في الحكومة!
هل ضبطتم (الإرهاب) الذي تتكلم المسودة على مكافحته وعرَّفتموه؟ حتى لا يستعمله الطرف الآخر في تصفية خصومه، على نحو ما نراه يفعل في بنغازي والمنطقة الشرقية؟!
لم يَسْلم منه حتى مُحَفظ قرآنٍ جاوز الثمانين!
ألا تتوقعون إذا لم تفعلوا وتَضْبِطوا الإرهاب ، أن تكونوا أنتم من تنقلون التجربة المريرة إلى طرابلس، وتعطونها الشرعية؟!
هل حدّدتم من هو الجيش، والأجهزة الأمنية، التي أَسندت إليها المسودة مهامّ كثيرة، منها مكافحة الإرهاب؟
هل رضيتم أن يُتحاكم عند التنازع إلى لجنة جُعلت لها الصلاحية في أن ترجع في حكم قضائي إلى طرف أجنبي؟ هل هذا يَحِل لمُسلم أن يُقِرّه؟! “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا”
أين مبدأ احترام القضاء الذي انطلقتم منه للحوار؟
قالوا في المثل : (ابْنِ العرشَ ثم انقُشْه)
أَحْكِموا المسودة أوَّلا، واضمَنوا فيها حقوقكم المشروعة، وحقوق من تُمثِّلونهم، ثم تَكلَّموا في الحكومة!
ولا تتهموا من يطالبُكم بذلك بالتعطيل، ولا بالضرر بمصالح ليبيا، فتكونوا أنتم من يُحدث الضرر، وكمن يضع العَرَبة أمام الحصان!
من أراد أن يُقيم الدورَ العُلوي قبل أن يُحكم الأساس، فقد غامر بانهيار البنيان، وتخريب الديار!
أبناءُ الوطن يُتهمون بالتعطيل إذا لم يوافقوا على بناء بلا قواعد؟!
والوسيط الدوليُّ، لا يُتهم بالغش والخداع، ولا بالتغيير ولا التبديل، حتى وهو يتلاعب بالاتفاق يزيد فيه من وراء فريق الحوار ويَنْقص!!
إلى آخر لحظة، والمسودة التي يتحاورون حولها تقول: رئيس الحكومة له نائبان، فأضاف لها الوسيط على الهواء ثالثا!
إلى آخر لحظة، ومسودة الاتفاق تقول: رئاسة مجلس الدولة بالانتخاب، رأى الوسيط الدولي (من مصلحة ليبيا!) أن يكون بالتعيين، فقام في المؤتمر الصحفيّ بتعيينه!!
هذا قبل أن يجف الحبر والشهود لم يُبارحوا المكان بعد!
فكيف إذا طال الأمد وقدم العهد؟!
يمرُّ هذا التزوير مرور الكرام بين مُؤيِّد وساكت، وكأن شيئا لم يكن، وسط تحشيد إعلامي دولي ومحلي منقطع النظير!
حتى السفراء الأجانب الذين كانوا يُتابعون الصياغة كلمة كلمة، أعجبهم التزوير، فدعموه بقوة، وشددوا عليه من خلال دُوَلهم!
هذا يُنبئك على أنهم ليسوا وسطاء، وإنما هم أوصياء!
وأنها في الاسم “اتفاقيات” لكن لا تُحترم، يمكن انتهاكها والتلاعب بها في أي وقت!
وأن المهم لدى الغرب هو حكومةٌ لها صلاحيات واسعة، تسمع وتطيع، على نحو حكومات أقاموها في العراق، وفي غير العراق!
لوكان لك شريك زوّر في عقد الشركة، فإنك تُصنِّفه مُخادعا، وغيرَ أمين، ولا ترضى أن تُسلِّمه، ولا أحدا من جهته، مالَك!
فكيف ترضى بربك أن تُسَلِّمه وطنك، دون أن تأخذ عليه حتى الضمانات المكتوبة ؟!!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الجمعة 2 محرم 1437 هـ
الموافق 16 أكتوبر 2015 م