هل الأمم المتحدة حقا تريد الاستقرار لليبيا ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الأمم المتحدة حقا تريد الاستقرار لليبيا ؟
أحب أن أذكّر كل الأطراف المعنية بالنزاع في ليبيا، وبخاصة الذين يتصدرون المشهد ويقررون – ولو فيما يظهر – مصيرَ البلاد، أذكرهم بأن فيما مضى عبرة وعظة.
منذ أن تم ارتهانُ مصير ليبيا للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، كلُّ من له نشاط في الشأن العام من السياسيين أو غيرهم، لابد أنه قد علم الآن بعد هذه التجربةِ القاسية – التي عشناها ولا زلنا مع مشروع الصخيرات، الذي سَلَّمْنا فيه زمامَ أمرنا للأجنبي – أن هذا المشروعَ لم يأت البتة لرفاهية ليبيا ولا استقرارِها، ولا للتوافقِ بين أهلها، كما هي الشعاراتُ التي أطلقوها.
ولا بد أيضا أنَّ بعضَ من شاركَ فيه على الأقلِّ وصل إلى يقين أن المجتمعَ الدوليَّ وسفراءَه، الذين أداروا حوارَ الصخيراتِ وكانوا لا يفارقونَه ويبالغون في الاحتفاءِ بلجانه، قد تَنَكَّروا وقَلَبوا ظَهْر المجن، فلم يَعُد لهم احتفاءٌ بلجانه، ولا وَفُّوا لهم بما وَعدوا، ليس فقط فيما أمّلُوه منهم لوطنهم، بل حتى فيما كانوا يَعِدونهم به لخاصة أنفسهم، احْتَفَوْا بهم عند الحاجةِ إلى التوقيعات، والظهورِ في المهرجانات، ثم وُضعَ البعضُ (على الرف) فلم يعد له اليومَ عند السفراء ذِكرٌ، ولا في قوائم المرشَّحين للمناصب الجديدة خبرٌ ولاأثر، والبعضُ الآخرُ ينتظر!
فلا الحمدُ مكسوبا ً… ولا المالُ باقياً
وهو درس! ليس فقط لمن يُدْعى اليومَ إلى جولة جديدة للحوار، بل لكل من لا يزال يُصَدِّق أن المشروع جاء لاستقرار البلاد!
الأمم المتحدة تتحكم فيها الدولُ الكبرى المرتبطة ارتباطا عضويا بالصهيونية العالمية، فلا يمكن أن ترثى لحالنا، ولا أن تلتفت إلى آلامنا ولا لآلام المستضعفين.
بالتجربة رأيناها لم تزد أمرَنا إلا فُرقة، وأوضاعَنا إلا حُرقة، أجَّجت الصراعَ ولم تَسْع إلى وفاق، ثم لا هي ولا من معها تحارب الإرهاب، وهاك الدليلُ والبرهانُ أسوقه وأسرده من الواقع الذي نعيش مرارته.
– انظروا، هل رأيتم الأمم المتحدة رثت لحالنا وقد توالت علينا النكبات؟
قَفَزَ الدولار ُبقدوم توافق الصخيرات ثلاثة أضعاف، حتى صار متوسطُ مرتب الموظف مائة دولار!
– اختفت السيولة من المصارف كما اختفت الخدمات!
تكدس الناس في صفوف طويلة يلهثون عن العملة المحلية – لا الأجنبية – ينامون أمام المصارف، يُذادون عن الأبواب، إمعانا في الإذلال!
– الأمم المتحدة تعلم أن حفتر منقلب على الشرعية في فبرابر 2014، حيث لم يكن في ليبيا سوى جسم واحد منتخب، هو المؤتمر الوطني العام.
فمن الذي كان يمد حفتر المنقلب على الشرعية بالسلاح والعتاد؟!
– الأمم المتحدة تعلم أن الاستقرار لا يقوم إلا على تطبيق القانون! ويُفترض أنها لم تأت إلا لذلك، ليخضع الجميع للقانون، لكنها رفعت شعار الخروج على القانون لتؤجج الصراع، فرفضت حكم المحكمة العليا، وسيست القضية انحيازا للخارحين عن الشرعية، ودعما للانقلاب.
– أعطوا الضوء الأخضر لِتَدَخُّلٍ أجنبي إماراتي وسعودي ومصري ودولي، مالٌ فاسد، وشراءُ ذمم، وزرع فتن، وفتاوى استخباراتية مسيسة متناقضة منحرفة، تارة تجعل الانتخابات من نواقض الإيمان، وتارة تجعل المجلس المنتخب ولي أمر! ولا تتورع عن استحلال دماء العلماء والأبرياء.
– عندما لاحت في الأفق فرصة للوفاق بين الليبيين دون إذن منها، في لقاء رئاسة المؤتمر والبرلمان بمالطا وعُمان، ولاّه المجتمعُ الدوليُّ والأممُ المتحدةُ ظهره، وأوعزوا لأحد الأطراف بإفشاله، فأفشلوه.
فهل هذا عمل من يريد لليبيا وفاقا واستقرارا؟!
– درنة تحاصر! مدينةٌ سكانُها أكثر من مائة وعشرين ألفا، أطفال وكبار ونساء، يمنعها حفتر على مَرْأى ومَسْمع من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من ضرورات الحياة، لا دقيق، ولا وقود، ولا دواء، حتى المريض على سرير العناية لا يُسمح له بالخروج إلى المستشفيات المجاورة!!
لم يشفع لها أنها أول مدينة دحرت الإرهاب بمجهودها الذاتي، دون دعم من أحد، وقدمت المئات من خيرة شبابها، فكُوفِئت بالحصار والتجويع والحرمان، وقبلها قنفودة، حوصرت فيها العائلات، حتى أكلت الأوراق والنبات، وشربت ملح المياه!
لكن من حاصرها ولا يزال يحاصر درنة يُكافأ بالدعم والمساندة والاستقبالِ في عواصمهم، يَعِدُونه بالدعم والتأييد، وهو الذي هَرّب الدواعش من درنة ومن بنغازي، ووفر لهم الحماية والملاذ!
ألا حُرٌّ كريم غيور من لجان الحوار – وهو يرى في بلده إرهابا يُحاصِرُ مدينةً بأسرها ويباركه المجتمعُ الدوليُّ – يعلن تعليق الحوار حتى يُرفع الحصار الظالم عن أهل درنة، نُصرة لحرمات المسلمين في بَلْدَةٍ تُنتهك بأسرها!
أم أن من اختير للجان الحوار هم ممن لا يزال يُصدق أكذوبة محاربة حفتر للإرهاب! الأكذوبة التي سقطت بها مدينة صبراتة في الغرب، وبنغازي في الشرق، وجاهزة للاستعمال ضد الخصوم في كل المدن!
المجتمع الدولي أول من يعلم أن حفتر لم يحارب الإرهاب يوما من الأيام، شهد بذلك شاهد من أهلها، هذا ما قالته السفيرة الأمريكية السابقة لدى ليبيا في شهادتها أمام (لجان الكونجرس في بلادها)، قالت بالحرف:
إنه لاعلم لها بأن حفتر له جُهد في محاربة الإرهاب.
وناهيك بها شهادةً، فقد قَطَع قولُها جهيزةَ كُلّ خطيب!
فإذا كانت هي في موقعها لا تعلم بأن لحفتر جُهدا في محاربة الإرهاب، فمن عساه يعلم يا ترى؟!
هي في هذا الباب من أهل الاستقراء التام، كما يقولون!
ومن كان من أهل الاستقراء التام، وقال: لا أعلم، في أمر هو من شأنه، فلو بحث الباحث بعدها إلى أن ينتهيَ عُمره فلن يظفر بشيء!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الأحد 18 محرم 1439 هـ
الموافق 8 أكتوبر 2017 م