طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

خطاب مفتوح إلى المسؤولين في الدولة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

السيد/ رئيس المؤتمر الوطني العام، والسيد/ رئيس مجلس الوزراء، والسادة أعضاء المؤتمر الوطني العام، والسادة الوزراء، والسادة قادة الثوار، ورؤساء المؤسسات العامة والخاصة، والمجتمع المدني، والجمعيات النسائية،

وأولياء الأمور.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة، وبعد:

      فإنه نظرا  للشكاوى المتكررة، الواردة إلى دار الإفتاء من المواطنين، من الرجال والنساء على السواء، حول ما أصبح هَمَّ الغيورين على الدين؛ من شيوع المعاصي والمخالفات الشرعية، المتمثلة في انتشار الخمور والمخدرات على نطاق واسع، حتى إنها صارت تباع علنا، على قارعة كل طريق، بأرخص الأثمان، وتكاد تُعطى مجانًا، وكذلك ما يلاحظونه من تدهور الأخلاق والآداب العامة، وشيوع الاختلاط المتبرج بين الرجال والنساء، بلا ضوابط ولا قيود، في مؤسسات الدولة المختلفة؛ أود موافاتكم بالآتي:

 

     كان الذي ينتظره سائر المواطنين بعد الثورة المباركة – وجلُّهم بما فيهم السياسيون، ورؤساء الكتل الحاكمة، ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية – كان الذي يُنتظر أن تعطي الدولة والمؤسسات العامة والخاصة والإعلام، وكذلك عامة النَّاس وأولياء الأمور – في هذا البلد المسلم – اهتماما خاصًّا بالقيم والآداب الشرعية، بما يحافظ على هوية الأمة وعقيدتها،

وأن نحسب لهذا الأمر حسابه؛ خوفا من غضب الجبَّار، فإن الله – سبحانه وتعالى – ذكر لنا أنه يختبر عباده بما يمكِّن لهم، من النصر على عدوهم، بقوله – تبارك وتعالى- : )عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(.

ويتوعد – سبحانه وتعالى – من يعاند أمره، ويتعدى حدوده، بالذل والهوان في العاجلة، والعذاب الشديد في العاقبة؛ )إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (، )وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(.

ودار الإفتاء إذ تنظر بقلق شديدٍ إلى شيوع المعاصي والخمور والمخدرات والفواحش، وتهاون الناس في الاختلاط غير المنضبط، وتعوُّدهم عليه، في المؤسسات التعليمية والمالية والجامعات والإدارات والشركات والمرافق الصحية العامة والخاصة؛ لَتُحذر من خطورة ما يجري من التهاون بأوامر الله، وما يترتب على ذلك من ضرر في الدين، وفساد بالغ في المجتمع، يتمثل في الآتي: 

 1. الوقوع فيما حذر الله – جلَّ جلاله – منه، وشدد الوعيد عليه، قال – سبحانه وتعالى -: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ  وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(.

 2. مخالفة ما أمر الله به النساء، في قوله – سبحانه وتعالى -: )وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا  لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ(، قالت عائشة – رضي الله عنها -، عند نزول هذه الآية تفسِّر معناها: (رحم الله نساء المهاجرين الأُوَل، لمَّا نزل قوله تعالى:) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ(     شققن أزرهن فاختمرن بها).

وكذلك مخالفة ما أمر الله – جلَّ جلاله – به الرجال والنساء، في قوله:)قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (، ومن المعلوم أن الاختلاط الدائم في المكتب و في مقعد الدراسة، الساعات الطويلة، يتعذر معه غض البصر، المأمور به في الآية الكريمة.

 3. لقد رأينا في الأسابيع الماضية ماذا كلَّفَنَا التهاونُ في أمر الخمور؛ فقد حصدت خمور مسمومة – تَهَالَك الناس عليها – مئات الأرواح من شبابنا، في أيام قليلة، وأصابت مئات آخرين بأمراض أقعدتهم عن الحياة.

 4. إن المخدرات – مع سهولة الحصول عليها، وانتشارها على هذا النطاق الواسع – قد فتكت وتفتك بالآلاف من صغار الشباب، الذين يموتون كل يوم موتا بطيئا، ولا يزالون، ويتناقلون أمراضًا خطيرة، كالكبد الوبائي، وفقدان المناعة بينهم، على مرأى منا ومسمع، دون أن تكون هناك خطةٌ للعلاج، ولا غيرة على حدود الله، وبذلك فإننا نفرط في أغلى ما نملك؛ ثروة الأمة الحقيقية شبابُها، في الوقت الذي يتكلم فيه الجميع عن التنمية البشرية، معرضين عن أوامر الله.

     ولعل هذا من العقوبة العاجلة على شيوع الفاحشة والمنكرات بين الناس؛ فقد صحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: (… ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم).

 5. أدى التساهل في الاختلاء المحرم بين الرجال والنساء، والاختلاط المتبرج باللباس الفاضح، والتكشف العاري، وإبداء الزينة التي أمرت المرأة بسترها، إلى شيوع الانحراف، والعلاقات غير الشرعية، وانتشار أوكار الرذيلة، في طول البلاد وعرضها، وقد حذر الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – من الفواحش وأسبابها، فقال I: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ( وقال – سبحانه وتعالى -: )وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ( ، وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها).

 6. الشكاوى الكثيرة من حالات الإجهاض غير الشرعي، وعمليات رتق البكارة في داخل البلد وخارجها؛ خوف الفضيحة، صار يخيف الأسر الليبية.

 7. ما سبَّبه الاختلاط في المكاتب؛ من خلل في العلاقة الأسرية، والخيانة الزوجية من الجانبين، يدعو إلى القلق، فهناك الزوجة التي أفسدت عليها زميلة زوجها في المكتب علاقتها بزوجها، ودمرت حياتها، وهناك الزوج الذي أفسد عليه زميلُ زوجته في المكتب زوجته، وأدت علاقتهما إلى طلاقها، وهناك الطالبة التي جرَّ رفيقها في المقعد والفصل الدراسي الفضيحة إلى الأسرة، حين ظهور الحمل من العلاقة غير الشرعية.

 8. حالات التحرش والعنف، في الجامعات والثانويات والمستشفيات والمصحات، ضد الطالبات والعاملات، بلغ حدًّا يثير الخوف؛ حتى إن أكثر من خمسين طبيبا من أحد المستشفيات بطرابلس، تقدموا مطالبين بإصدار قرار يمنع العنصر النسائي من المناوبة الليلية بالمستشفى؛ لكثرة ما يُضبط من انحراف.

لذا؛ فإن دار الإفتاء ترى – إبراءً للذمة، ونصحا لولاة الأمر وللأمة – أن الواجب الشرعي، أيها المسؤولون، وأولياء الأمور، أن تهبوا لِمعالجة هذا الأمر، وتجعلوه من أولويات اهتماماتكم؛ وفاءً بما تحملتموه من أمانة، وحفاظا على الدين، وعلى الرعية من التضييع. 

وذلك بإعلان حملة واسعة على مستوى الدولة، وفي الإعلام، لمعالجة الأمر، والاستعانة في ذلك بالخبراء المختصين، من أهل الأمانة والدين، في التخصصات المختلفة، قبل فوات الأوان.

     ولنبدأ في هذه الحملة بحجب المواقع الإباحية على الشبكة الإلكترونية، حماية للبيوت من الرذائل، ثم الاهتمام بالأسرة، من خلال اعتماد مناهج دراسية، تعتني بالقيم، وتحصن الشباب، وبالعمل على الفصل بين الجنسين في المراحل التعليمية المختلفة، فإن الله تعالى سيسأل كل راع عما استرعاه، فرَّط أم ضيع، ومن ضيع فقد خاب وخسر، فقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: (ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

الأربعاء 13 جمادى الآخر 1434 هـ

الموافق 24-4-2013 م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق