طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

قتل الكلاب الشاردة

إخصاء الكلاب الشاردة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4353)

 

السيدة المحترمة/ رئيسة مجلس إدارة منظمة أناة للرفق بالحيوان (ANAT).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

تحية طيبة، وبعد:

فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال عن حكم قتل الكلاب الشاردة التي تعيش بين السكان، وإعطائها التطعيم الخاص بالوقاية من داء الكَلَب (السعار)، وعن حكم إجراء عملية الإخصاء للكلاب، وذلك للحد من تكاثرها بصورة تؤثر على سكان المدن، وللتقليل من شراستها، لأنها تصبح أكثر هدوءًا بعد العملية.

فالجواب كالتالي:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالأصل أنه لا يجوز إيذاء الحيوان بدون سبب؛ لأن ذلك من العبث والتعدي، إلا إذا كان مؤذيًا أو مُعْدِيًا، في بقائه ضررٌ على الإنسان بنقل الأمراض، كما في الخمس الفواسق التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، قال صلى الله عليه وسلم: (خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا) [مسلم: 1198]، وقال أيضًا: (لَوْلاَ أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ) [الترمذي: 1486].

ويُلحق بالأنواع المذكورة في الحديث الكلاب إن ثبت ضررها، كالمسعور والعقور، قال ابن رشد رحمه الله: “وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَتْلِ الْكِلَابِ، أَتَرَى أَنْ تُقْتَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَرَى أَنْ يُؤْمَرَ بِقَتْلِ مَا يُؤْذِي مِنْهَا، فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِيهَا، قُلْت لَهُ: فِي مِثْلِ قَيْرَوَانَ وَالْفُسْطَاطِ؟ قَالَ: نَعَم، أَرَى أَنْ يُؤْمَرَ بِقَتْلِ مَا يُؤْذِي مِنْهَا” [البيان والتحصيل: 9/355].

وما جاز قتله كالكلب العقور ونحوه، فإنه لا يجوز قتله بصورة تؤدّي إلى تعذيبه، كالقتل بالسم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ) [مسلم: 1955]، وإذا أمكن دفع أذاه بعلاجه أو إعطائه لقاحًا يأمن معه الناس ضرره، فلا يجوز قتله؛ لأن المقصود دفع ضرره، فإذا تأتى دفع الضرر بالأدنى لم يجز بالأعلى، ويكون الأجر في ذلك لمن سعى في علاج وتطعيم هذه الكلاب، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطِبَةٍ أَجْرٌ) [البخاري: 2363].

أما خصاءُ الكلاب، والتأثير على نسلها عمومًا بمنع الإنجابِ لغير سببٍ طبي يؤثر على حياتها، أو منفعة معتبرة، لا يجوز؛ لأنه من تغيير خلق الله وسنته في الكون، اتباعًا للهوى، وقد تعهد إبليس -أعاذنا الله منه- بحث بني آدم على ذلك، كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ، وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً) [النساء: 119]، قال ابن العربي رحمه الله: “حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: (أَنّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْإِخْصَاءَ وَيَقُولُ: فِيهِ تَمَامُ الخَلْقِ)، وَيُرْوَى: (نمَاءُ الْخَلْقِ)؛ لِأَنّ فِي تَرْكِهِ دَوَامَ النَّسْلِ وَكَثْرَتِهِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ التّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ فَقَالَ ابْنُ عَمَرَ، وَطَائِفَةٌ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: هُوَ الْخِصَاءُ. رُويَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَطَائِفَةٍ، .. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُونِيّ رحمه الله وَجْهَ هَذَا الْحَدِيثِ عِندَ مَالِكٍ فِي بَنِي آدَمَ، وَفِيمَا لاَ يُنْتَفَعُ بِإِخْصَائِهِ، وَأَمّا مَا كَانَ فِيهِ النّفْعُ مِنَ الْإِخْصَاءِ فِي الْبَهَائِمِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْمَنَافِع للنَّاسِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَذَلِكَ كَإِخْصَاءِ الْغَنَمِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِإِخْصَائِهِ لِطِيبِ لَحْمِهِ” [المسالك شرح الموطأ: 7/482]، وما ذكر في السؤال لا يظهر كونه منفعة معتبرة لإخصاء الكلاب، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

27//جمادى الأولى//1442هـ

11//01//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق