طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

مَنْ يُطفئُ نارَها فيطفئُ اللهُ نارَنا؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول اللهِ، وعلى آله وصحبه ومن والاهُ.

وبَعدُ؛

     فقدْ حضرَ إلى دارِ الإفتاءِ جماعةٌ كبيرةٌ من أهلِ تاجوراء، يُصَدِّقُ بعضُهم بعضًا في الخبرِ الذي يروُونه بكلّ حُرْقة، والألمُ يعتصرُ قلُوبَهم، ظاهرةٌ غريبةٌ يتكلّمونَ عنها؛ بُيوتُهم وأموالُهم، يشاهدونها تحترقُ أمامَهم؛ النارُ تشتعلُ في البيوتِ، مِن غيرِ سببٍ، نارٌ غريبةُ اللّونِ، غريبةُ الرّائحةِ، إذا أطفئُوها في مكانٍ، انتقلَت تشتعلُ في مكانٍ آخرَ، وفي بيتٍ مُجاورٍ، هم في فزعٍ وخوفٍ وذعرٍ، نساؤُهم وأطفالُهم في الشارع، والنارُ تلاحقُ بيوتهم، يتكلمونَ في دهشةٍ تقطَعُ أنفاسَهم، وتقفُ الكلمات في حُلوقِهم، لا يَكادون يُصدّقون ما يَرونَ، ثمّ المأساةُ أنهمْ عاجزون… ماذا يصنعونَ؟

 

 

 

يَطلبونَ مِن دار الإفتاءِ الجَواب! هل لِما يحدثُ مِن تفسيرٍ؟

     لا شك أنّ هذا أمرٌ جَلَل، مفزعٌ مُخيفٌ، أهلُ الإيمانِ يَخافونَ في مِثلِ هذا الأمرِ غَضَبَ الديَّان، فإنَّه تَعالَى توَعَّدَ في كِتابِه مَن يَعصِي اللهَ ورسولَه ويتعدَّى حدودَهُ، بالنارِ والعذابِ؛ قالَ تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)، وتوَعَّدَهم بشديدِ العقابِ؛ فقال: (وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وتوعد مَن أعرَض عن ذِكرهِ وخالَفَ هَدْيهُ بالعيشةِ ضنكا، وعدمِ الاستقرارِ ، وفَسادِ الحالِ؛ (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

اللهُ – جلَّ ثناؤُهُ – استَخلَفنا على الديارِ، بعدَ أن نزَعَ مُلكَ طاغيةٍ جبارٍ، نَصَرَنا عليهِ بالإيمانِ والتكبيرِ، حين تضرَّعَ إليهِ المتضرِّعون، نادِمين مُنيبين، ومَا أنْ أزاحَ اللهُ ملكَه، وكَشفَ عنِ البلدِ رِجزَهُ، واطمَأنَّ الناسُ على حَياتِهِم، حتَّى أعْلَنوا عَلى اللهِ بِالحربِ، ونَكَثوا العَهدَ؛ (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ).

انفلاتٌ في الحرياتِ، ليسَ لهُ نَظيرٌ، ليسَ فقطْ انفلاتَ معاصٍ وخمورٍ ومخدراتٍ وفجورٍ؛ بلِ استخفافٌ بأحكامِ اللهِ القَطعيَّةِ، وأوامِرِه القُرآنية.

      قالوا عنِ الحِجابِ، الذي أَمَرَ اللهُ بهِ في كِتابهِ: (عادةٌ يهوديةٌ)، وخرَجَ نساءُ (وحقوقيونَ) يؤَيِّدونَ وثيقَةً ماسونيَّةً، تُسَوِّي بينَ السِّفاحِ والنِّكاح، وتقُولُ: أولادُ الزِّنا كأَوْلادِ الفراشِ، والمرأةُ لابدَّ أنْ تكونَ كالرجُلِ في كلِّ شيءٍ، سواء بسواء، ليسَ هناكَ مِن فرقٍ، واللهُ تعالَى يقول: (وليسَ الذَّكرُ كَالأُنثَى)، أيْ أنَّ هناكَ فرقًا، فعانَدُوا الشرعَ، وعانَدوا الفِطرَةَ والطبْعَ، وامتَلأتِ الصَّفحاتُ الإِلكترونيةُ بالمواقِع الإِباحيَّة، وبالدَّعواتِ الإلْحاديَّة، والجرأةِ على كلِّ شيءٍ، حتَّى على الذَّاتِ الإِلاهيّة، سُبحانَ ربِّنا العظيمِ، وتقدَّسَ، وتنزَّه، وتَعالى عمَّا يقولُ الظاَلمون، عُلوًّا كبيرًا، (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ).

الظُّلمُ ظلماتٌ يومَ القِيامَةِ، الظُّلمُ مَرتَعُه وَخِيمٌ.. له في مجتمعنا صور وصور،

     استوقفني منها من يومين نداء من أم مهمومةً، ثَّكْلى مكلومَةً، لا يرْقأُ لهَا دمعٌ، أمٌّ مِن بنغازي تُرسِلُ نِداءَ استغاثةٍ، قلبُها الحَزينُ كلَّ يومٍ يتقطَّعُ ،لا تنامُ، ولا تأكلُ، ولا تهدأُ، ولا يقرُّ لهَا قرارٌ، تقولُ هذا حالُها منذُ اختفاءِ ابنتها؛ “صفاء علي دومة”، في 20\2\2013، في حادثٍ متشابِكٍ مع قضيةِ كنيسةِ بنغازي.

مَن ينتصرُ لمثلِ هذه الثَّكْلى يملؤُها الحزنُ، ويَعتَصِرُ قلبَها الأَلَم؟ مَن يأخذُ لها حقَّها، وحقَّ أمثالِها؟! مَن ينتصفُ للمظلومين والمُستضعفينَ؟!

اللهُ – تقدَّسَ في عَليائِه – بعدَ أنْ خوَّفَ وحذَّرَ مِن عاقِبةِ الظّالِمينَ، و دعْوةِ المظلومِ، التي ليسَ بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ، أَقسَمَ؛ (وعِزتِي وجَلالِي لأنصُرَنَّك ولو بعدَ حينٍ).

أينَ ولاةُ الأَمرِ مِن هذا؟ أينَ الأعضاءُ؟ أعضاءُ الأمّةِ المُنتَخبونَ، “إنَّ اللهَ يزعُ بالسلطانِ ما لا يَزعُ بالقرآنِ”.

(أَلَا فكُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مسؤُولٌ).

أينَ الغيورون على الحُرمات؟ أينَ حُماةُ الديارِ؟ أينَ الذائذون عَن الأعراضِ؟ أينَ الرجالُ ذوُو المُروءَةِ والنجدةِ والإباءِ؟ أينَ أولياءُ الأمورِ؟ أين العلماءُ والعقلاءُ؟

كلُّ أبٍ مسؤولٌ، وكلُّ وليِّ أمرٍ مسؤولٌ، وكلُّ وجيهٍ في قومِه وصاحبِ رأيٍ وشأنٍ مسؤولٌ، وكلّ شيخِ قبيلةٍ وعشيرةٍ ومقدَّمٍ في قومِهِ مسؤولٌ.

على العُقلاءِ جميعًا؛ في كلِّ قريةٍ، وفي كلٍّ حيٍّ، وفي كلٍّ شارعٍ، أن يهبُّوا، ويأخُذوا على أيدي المُفسدين والسفهاءِ والظالمين ؛ لوقفِ هذا البلاءِ، بلاءِ المنكرِ والمعاصِي، الاختِطافِ وانتِهاكِ الحرماتِ والأعراضِ، والسَّلبِ والنهبِ والرذائِلِ والفواحشِ.

في صحيحِ السنةِ أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلم قالَ: (لَتَأمُرُنَّ بالمَعْروفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عنِ المُنكَرِ, أوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يَبعَثَ عليكُم عِقابًا مِن عِندِه, ثمَّ لَتَدْعُونَّهُ, فَلا يَستجِيبُ لكُم )، وفي لفظٍ: (أو لَيُسَلّطَنَّ اللهُ عليكُم شِرارَكُم ,فَلَيسُومُونَكُم سُوءَ العَذَابِ, ثمَّ يدْعُو خِيارُكُم , ثمَّ لَا يُستجَابُ لَهمْ).

مَن ينتصِرُ لِهذِهِ المكلُومَةِ الثّكْلَى وأمثَالِها؟ مَن يُبَردُ كبِدَها الحَرَّا؟ مَن يُبَدِّلُ دمعَتَها السَّاخِنةَ بدَمعَةٍ بَارِدةٍ؟ مَن يرفَعُ الظُّلم عنْها، وينتصِرُ لضَعْفِها؟

مَن يُطْفِئُ نارًا بينَ أضْلاعِها فيُطفِئُ اللهُ نارَنَا؟!! هذا السبيل لإنقاذ الوطن، المصالحة مع الله.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني.

الأربعاء 21 جمادى الآخرة 1434 هـ

الموافق 1 مايو 2013.

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق