طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

هل يقع طلاق السكران؟

هل تمضي طلقة السكران الطافح؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4999)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

حصل خلافٌ بيني وبين زوجتي، وتشاجرتُ معها، وكنت في حالة سُكْرٍ، ولم أعِ ما قُلته لها، وخرجتُ من البيت، فلما رجعتُ أخبرتْني بأنّي تلفظتُ بالطلاقِ أثناءَ خصامي معها، وأنا لم أشعرْ بذلكَ، فما حكمُ الطلاق في هذه الحالة؟ مع العلم أني قد طلقتُ زوجتِي مرتينِ قبل هذه الطلقةِ.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ ما ابتُليتَ بهِ مِن شُرب الخمرِ، الذي أخرجَكَ من دائرة العقلاءِ، ووضعتَ به نفسكَ في منزلةِ الحيواناتِ غيرِ العاقلةِ، رضيتَ لنفسكَ أن تضعَها هذا الموضعِ، وتُغضِبَ اللهَ الذي حرمَ عليك الخمرَ، وشدَّدَ عليك في ذلكَ، فأمركَ باجتنابهِ، وجعلَهُ رجسًا مِن عملِ الشيطانِ، كيفَ تجترئُ على ذلكَ، ولا تشعرُ بالندمِ، ولا بالخوفِ من الله تعالى؟ والذي أهمّكَ وأقض مضجعكَ، هو مجرّدُ سؤالكَ عن طلاق زوجتكَ؛ هل وقعَ أم لا؟ كانَ الأجدرُ بك أنْ تسألَ: كيفَ أصنعُ لأتوبَ إلى اللهِ من هذه المعصيةِ الكبيرةِ، ليقبلَ اللهُ توبتي، وما السبيلُ إلى ذلك؟ وتعبّرَ عن ندمكَ وخوفكَ من اللهِ، قبل أنْ يأخذَ روحكَ، وتلقاهُ وهو غاضبٌ عليك، هذا هو الذي كان عليكَ أن تفعلهُ، قبل أن تسألَ عن طلاقِ زوجتكَ، أصلحَ اللهُ أمركَ، أما فيما يتعلقُ بطلاق السّكرانِ، فإنّ السكرانَ إذا كان مختلطًا؛ يفيقُ أحيانًا، ويفقدُ الوعيَ أحيانًا، فإنّ الطلاقَ يلزمُهُ، أمّا إذا كان السكرانُ طافِحًا، فاقدًا للعقل تمامًا، ليس عنده تمييزٌ، لا يفرقُ بينَ المرأةِ والرجلِ، ولا بينَ السماء والأرضِ، فطلاقُهُ غير واقع؛ لأنه كالمجنونِ؛ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود:4405]، وقال الدردير رحمه الله: “إِلاَّ أَن لاَّ يُمَيِّزَ، فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَجْنُونِ” [الشرح الكبير: 365/2]، وهو قول عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، ورواية محمد بن عبد الحكم في المذهب، واختيار ابن رشد والباجي رحمهم الله، قال ابن رشد رحمه الله: “فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ” [البيان والتحصيل:258/4].

عليه؛ فإن كان الحال كما ذكرَ، من كونك لا تدري ما صدر منك وقتَ الطلاق؛ فإنّ هذه الطلقةَ غيرُ واقعة، وعليكَ أن تنتبه لنفسك، وتتجنّبَ الطلاقَ؛ لأنك إذا طلّقت مرةً أخرى فإنّ المرأةَ تحرُمُ عليك، ولا تحلّ لك حتى تنكحَ زوجًا غيركَ نكاحَ رغبة؛ لقول الله تعالى: ﴿‌الطَّلَاقُ ‌مَرَّتَانِ ‌فَإِمْسَاكٌ ‌بِمَعْرُوفٍ ‌أَوْ ‌تَسْرِيحٌ ‌بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة:229]، ثم قال: ﴿‌فَإِن ‌طَلَّقَهَا ‌فَلَا ‌تَحِلُّ ‌لَهُ ‌مِنْ ‌بَعْدُ ‌حَتَّى ‌تَنكِحَ ‌زَوْجًا ‌غَيْرَهُ﴾ [البقرة:230]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن بن حسين قدوع

أحمد بن ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

16//ربيع الأول//1444هـ

12//10//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق