طلب فتوى
الزكاةالعباداتالفتاوى

أسئلة في الزكاة

                                                          بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

                                                            رقم الفتوى (1187)

 

ورد إلى دار الإفتاء الأسئلة التالية:

السؤال الأول:

         ورثة لهم كمية من الذهب من الإرث، هل يخرجون زكاة هذا الذهب على السنوات التي مضت، وهل إخراج الزكاة يكون قبل القسمة، أم لكل وارث نصيبه بعد القسمة؟

الجواب:

           الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

           أما بعد:

فإن المال ينتقل ملكه إلى الورثة بمجرد وفاة الموَرِّث، فإن كانت الزكاة وجبت فيه بعد موت الميت فعلى كل وارث زكاة نصيبه، إذا كان نصاباً بنفسه، أو بما يضم إليه من نقود أو عروض تجارة، بشرط مرور حول كامل على نصيب كل وارث وهو في ملكه، وإن وجبت فيه قبل موت المالك – بأن حال حول المال قبل أن يموت المالك – لزم إخراجها قبل قسمة المال، وإذا حال عليه الحول بعد موت المورث وقبل قسمته – كما هو ظاهر السؤال – فيجب على كل وارث زكاة نصيبه، إذا بلغ نصيب كل واحد من الورثة نصاباً، سواء كان نصاباً بنفسه، أو بانضمامه إلى ما عنده من مال، قال الشيخ عليش: فلا شيء من زكاة الحب والثمر على وارث زرعا أو ثمرا (قبلهما) أي : الإفراك والطيب (لم يصر له) أي : الوارث (نصاب) مما ورثه إلا أن يكون له زرع من جنسه وزرع أحدهما قبل حصاد الآخر وبقي من حب الأول ما يكمل الثاني نصابا فيضمهما ويزكيهما; لأن الوجوب حصل بعد الموت فإنما يزكى على ملك الوارث فإن ورث نصابا زكاه وإن ورث أقل منه فلا زكاة عليه، إلا أن يكون له زرع يضمه إليه، وفي المدونة قال مالك: من مات وقد أزهى حائطه وطاب كرمه وأفرك زرعه واستغنى عن الماء وقد خرص عليه شيء أو ما لم يخرص، فزكاة ذلك على الميت إن بلغ ما فيه الزكاة، وإن مات قبل الإزهاء والطيب فلا زكاة عليه والزكاة على من بلغت حصته من الورثة ما فيه الزكاة دون من لم تبلغ حصته ذلك) [منح الجليل، 34/2، التاج والإكليل لمختصر خليل:287/3] ،والله أعلم.

 

السؤال الثاني:

           هل يجوز صرف الزكاة للنازحين؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالزكاة لها مصارف معلومة، قد بينها الله تعالى في قوله: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( [التوبة:60]، فإن كان النازح من بلده أحدَ هذه المصارف كأن يكون فقيرا ليس له مرتب يكفيه، أو غارما ما ليس عنده ما يؤدي به دينه، جاز دفع الزكاة إليه، وأما النزوح والخروج من البلد بمجرده فليس وصفا موجبا لاستحقاق الزكاة، فالنازح إن كان غنيا لم يجز دفع الزكاة إليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسِب) [أبوداود:1633]، والله أعلم.

 

السؤال الثالث:

         هل تدخل عمارة المساجد وغيرها من أعمال البر في قوله تعالى: )وفي سَبيلِ الله(، وهل الأنفع دفع الزكاة لشخص واحد، أم دفعها لأكثر عدد ممكن؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالذي عليه جمهور الفقهاء وأكثر المفسرين أن صنف (في سبيل الله) خاص بالجهاد والقتال في سبيل الله، وكل ما يعين عليه، فيعطى الغزاة ما يستعينون به على أمر الغزو من النفقة، والكسوة، والسلاح، والحمولة، وإن كانوا أغنياء، قال ابن جرير الطبري: “وأما قوله: (وفي سبيل الله) فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته، التي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار”[جامع البيان:320/1].

وقال القرطبي: “قوله تعالى: (وفي سبيل الله) هم الغزاة، وموضع الرباط، يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء، وهذا قول أكثر العلماء، وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله” [الجامع لأحكام القرآن:185/8].

وقال ابن العربي: “قوله: (وفي سبيل الله) قال مالك: سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله ها هنا؛ الغزو”[أحكام القرآن:369/1].

وسبيلُ الله عند الإطلاق إنَّما ينصرف إلى الجهاد؛ فإنَّ كل ما في القرآن من ذِكر سبيل الله إنما أُريد به الجهاد، إلا اليسير، فيجب أن يُحمَل ما في هذه الآية على ذلك؛ لأنَّ الظاهر إرادته، وممَّا ورد في ذلك قولُه تعالى: )وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ([البقرة:190]، وقوله: )يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ([المائدة: 54]، وقوله: )إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا([الصف:4] . وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (وأمَّا خالدٌ فإنَّكم تَظلِمونَ خالدًا، قدِ احتبس أدْراعَه وأعتادَه في سبيلِ اللهِ)، ولا شكَّ أنه حبَس أدراعه وأعتاده في الجهاد.

ثم إنه لا خِلاف في أنَّه تعالى لم يُرِدْ كل وجه من وجوه البِرِّ في قِسمة الصدقات, فلم يجزْ أن توضَع إلا حيث بيَّن النصُّ، كما أننا لو فسَّرنا الآية بأعمال البِرِّ لم يكُن للحصر في الآية فائدة إطلاقًا، والله أعلم.

 

السؤال الرابع:

نص قانون تحديد مستحقي الزكاة على أن يكون صرف ما يخصص من حصيلة الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وفي سبيل الله، عن طريق جمعية الدعوة، فهل يجوز صرف المال للجمعية؟ علما بأنه ينقل خارج البلد، والبلاد في أشد الحاجة لهذا الدعم.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالذي عليه الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة؛ عدم نقل الزكاة عن البلد الذي وجبت فيه إلا لحاجة أو مصلحة؛ لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى أهل اليمن، قال له: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة؛ تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم). ففيه أنه صلى الله عليه وسلم بين أن الزكاة تؤخذ من أغنياء البلد فترد في فقرائه، وأنكر عمر بن الخطاب على معاذ لما بعث إليه بثلث صدقة الناس، وقال له: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فتردها على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني، ثم إن فقراء البلد قد اطلعوا على أموال الأغنياء، وتعلقت بها أطماعهم، والنقل يوحشهم، فكان الصرف إليهم أولى.

ونقل الزكاة والخروج عن الأصل لا يكون جائزا إلا إذا رأى أهل الاجتهاد ذلك، فإذا رأوا أو رأى الإمام أن تصرف زكاة بلد لغناهم عنها إلى فقراء بلد آخر لحاجتهم إليها، فعل ذلك بعد التحري والاجتهاد، كحالات المجاعة والكوارث والعوز الشديد؛ فتنقل الزكاة إلى من هم أحوج، وإذا رأت هيئة صندوق الزكاة أن تستعين في هذا الأمر بجمعية الدعوة الإسلامية، أو غيرها من أجهزة الدولة، لتتولى نيابة عنها صرف نسبة من أموال الزكاة إلى مستحقين بأعيانهم، كأصحاب مجاعات أو مؤلفة قلوبهم، فلها ذلك إذا تم الاتفاق على آلية محددة، تضمن وصول المال إلى مستحقيه، أما أن يحول المال تلقائيا بمقتضى قانون إلى ميزانية جمعية الدعوة، كما هو الحال في الماضي فلا يجوز؛ لما يترتب على ذلك من صرف الزكاة لغير مستحقيها. والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                مفتي عام ليبيا

15/جمادى الآخرة/1434هـ

2013/4/25

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق