طلب فتوى
الحدود و الجناياتالسياسة الشرعيةالفتاوى

العدول وأهل العلم يقومون مقام الحاكم في إقامة الأحكام ومعاقبة الجناة في البلد الذي لا سلطان فيه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2200)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

نحن أهالي منطقة، كثرت عندنا ظاهرة السطو المسلح على السيارات والمحال التجارية، واختطاف الناس وابتزاز ذويهم، وطلب فدية مقابل إطلاق سراحهم، حتى لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع بجريمة من هذا القبيل، كل هذا وغياب كامل للأجهزة الأمنية والقضائية، بل قد تقع الجريمة أمام مركز الشرطة، ولا يستطيعون تحريك ساكن، فهل يجوز لنا، كأهل منطقة بمسؤوليها وثوارها وأخيارها، إيقاع العقوبة الرادعة على المجرمين، الذين يتمادون كلّ يوم أكثر فأكثر؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :

فقد شرع الله سبحانه وتعالى الحدود، جوابر لأهلها، وزواجر لغيرهم عن الوقوع في مثلها، بل لا يستقيم حال المجتمع، ولا يقر له قرار، إلا بمعاقبة الجناة، الذين يزعزعون أمن الدولة، ويرعبون الناس بالاعتداء عليهم، واستباحة أموالهم ودمائهم، ولا يتصور ازدهارٌ ولا رقيٌّ عند اختلال الأمن والأمان، والأصل أن الذي يوقع هذه العقوبات، من حدود وغيرها، هو وليُّ الأمر، أو من ينوب عنه من الجهات ذوات الاختصاص، قال ابن رشد رحمه الله: “وأما من يقيم هذا الحد ـ أي: جلد شارب الخمر ـ فاتفقوا على أن الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود” [بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 444/2]، لكن لما كان الحال كما ذُكر في السؤال، من ضعف نفوذ الدولة، وغيابها كليةً في بعض المناطق، الأمر الذي أدّى إلى تمادي المجرمين، وإشاعة الجريمة، وفشوّ المنكرات، حيث لحق الناسَ ضيقٌ وحرجٌ عظيمان، تعيَّن على الصالحين من الناس، ووجهائهم، والمسؤلين من عمداء البلديات، ورؤساء مجالس الشورى وأعضائها، وأئمة وخطباء المساجد، وغيرهم، أن يقوموا مقام الدولة، في الحفاظ على دماء الناس وأعراضهم، وتأمين حياتهم، وزجر المجرمين عن ارتكاب الجرائم، وذلك باتباع الطرق المأمونة، التي لا تترتب عليها مفاسد أكبر من الحال التي ذكرت في السؤال؛ لأنّ السكوت وغض الطرف عن المفسدين، ليس بأحسن من التصدّي لهم، قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)، وقال الونشريسي رحمه الله: ” كل بلد لا سلطان فيه، فعدول البلد وأهل العلم يقومون مقامه في إقامة الأحكام، وسئل أيضًا عن بلاد المصامدة، ربما لم يكن عندهم سلطان، وتجب الحدود على السراق وشربة الخمر، وغيرهم من أهل الفساد، هل لعدول ذلك الموضع وفقهائه أن يقيموا الحدود، إذا لم يكن سلطان، وينظروا في أموال اليتامى والغيب والسفهاء، فأجاب بأن قال: ذلك لهم، وكل بلد لا سلطان فيه، ………..، أو السلطان غير عدل، فعدول الموضوع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان” [المعيارالمعرب:128/1]، على أن ينتبه الناس إلى أن الخطأ في العفو أولى وأفضل من الخطأ في العقوبة، كما ينبغي مشورة أهل العلم والاختصاص، من قضاة وغيرهم، في كل واقعة تقع على حدة؛ لأن فتح الباب أمام آحاد الناس قد يزيد الأمر سوءا، يصعب على الأخيار آنذاك السيطرة عليهه، والواجب تقليل الفساد ما أمكن, والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

غيث بن محمود الفاخري

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

14/ربيع الآخر/1436هـ

2015/02/04م

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق