طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

بناء الدولة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

  فإنه لا يختلف اثنان على أن قيام الدولة في ليبيا وبناء المؤسسات أمر ملح، وكل تأخير تزداد معه الخسائر وتعظم، إذ لم يعد الناس يتكلمون هذه الأيام عن كابوس انقطاع الكهرباء الذي لا تأمن أن يفاجئك في أي لحظة من ليل أو نهار ليشل كل حركة في البيت أو المصنع أو المخبز، وتتعطل معه كل طاقة وآلة وجهاز،ولا عن رداءة الاتصالات، وشبكتها التي لم تكن في يوم من الأيام أسوء منها الآن، ولا عن الخدمات الصحية المتردية، التي نَفَض الناس أيديهم منها فتوجهوا من غابر الأزمان للبحث عنها في بلاد الجيران، أو في أعالي البحار. 

      ولا يتكلمون على استباحة حرمة الدولة وانتهاك سيادتها، بنشاطات لا أقول مشبوهة بل مفضوحة، تمارسها سفارات أجنبية، وبعثات دبلوماسية، وشركات أمنية واستخباراتية، تحت لا فتات تجارية أو إعلامية، أو قل ما شئت.

     فمن متخصص منها في الدعوة إلى الإلحاد بإثارة الشبهات المفضية إلى الكفر والطعن في كل المقدسات، ومن داعمة للنشاط الشيعي الرافضي ومناصرته، أو التستر عليه، أو بتجنيد الشباب له بالإغراء والضيافة والسياحة والدعم المادي غير المحدود، ومِن بائع دنياه بآخرته، ارتبط بحزب الشيطان وحلفاء الطغيان، من أعداء الثورة في الداخل أو الخارج، الذين أخذوا على أنفسهم أن يغرقوا البلد بالمحظورات من الخمور والمخدرات وفجور المومسات وطوفان الهجرة غير الشرعية بعشرات الآلاف.

      كل يجند جنوده ويربط خيوطه ويضرب جذوره، ويتمدد كما يشاء في بلد مستباحة، ويسرح ويمرح سرا وجهرا، خفية وعلانية، لم يغب عن المشهد سوى الاستخبارات الليبية، ووزارتها الخارجية، فقد عودتنا الحكومة بأجهزتها السياسية والأمنية والعسكرية، بأنها إما أن تكون آخرَ من يعلم، أو يعلم ولا يعمل: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) .

     أقول الناس لم يعودوا يتكلمون عن مثل هذه الدواهي التي تصفر منها الأنامل، فقد صارت لديهم صغائر؛ لأنهم ألفوها، حتى لم تعد شيئا مذكورا، لِمَا رأوا بعدها من الخطوب والعظائم ما أنساهم إياها وشغلهم عنها، مما لا صبر لهم عليه، كأن يفاجئك في أي لحظة من يقول لك: فلان أختطف من بين أهله وأولاده، وأخذ إلى المجهول، أو فلان أنزل من سيارته والسلاح مصوب إلى رأسه ليسلم المفتاح صاغرا، ويفرح أهله إن سلم  (فالمال مخلوف) !.

صار الناس الآن يتكلمون عن سرقة الثورة والالتفاف عليها، فرَفَعَ شعارها تجارها الذي كانوا بالأمس أعداءها، فملكوا السلاح، وكونوا الكتائب ليصولوا ويجولوا، ويقولوا نحن حماتها .

     وما ذكر مما لا صبر للناس عليه، هو بعض أعمالها وليست كلَّها .

والمؤتمر الوطني العام منهمك في قضايا تنظيمية ومسائل قانونية، ومساجلات فكرية، وملاسنات كلامية، وحقائب حزبية، ومحاصصات وظيفية، وانحيازات جهوية، والله يعلم كم يحتاجون من الوقت للانتهاء من هذا الكم من القضايا.

      والحكومة في سبات عميق، والعامة الذين لا حول لهم ولا طول، لسان حالهم يقول: هل من منقذ؟ أقول الله وحده، ولا منقذ سواه، وهو سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع؟!

     فاعْدُد يا عضو الحكومة، ويا عضو المؤتمر العام لنفسك العُدة وحضر الجواب، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فمات يوم مات وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة).

أمَّا أنت أيها الشعب المغلوب على أمرك، فالله تعالى لك يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا).

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

الصادق بن عبدالرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

الأربعاء 23 ذو القعدة 1433 هـ

10-10-2012 ميلادية 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق