طلب فتوى
الحدود و الجناياتالفتاوى

تنفيذ العقوبات على الجناة من اختصاص القضاء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (1188)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

وقعت في الأيام القليلة الماضية حادثة اعتداء على سيارة تابعة لوزارة العدل، كانت تقل سجناء لاستجوابهم من قبل النيابة العامة باب بن غشير، ونتج عن هذا الاعتداء مقتل أحد السجناء، المتهم بقتل أحد المواطنين، بعد أن سلم المتهم نفسه للجهات القضائية المختصة، إلا أن بعض المشتبه فيهم أرادوا تنفيذ الحكم فيه خارج سيادة الدولة، وقاموا بالتمثيل بجثته، وهرّبوا السجناء الذين كانوا معه، فهل يعد هذا الفعل اعتداء، أم حرابة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

            أما بعد:

فإن تنفيذ العقوبات على الجناة هو من اختصاص القضاء، فهو الذي ينفذ الأحكام، ويقيم الحدود، وينصف المظلوم، ويقتص من القاتل؛ لأن الحدود والحقوق يحتاج إثباتها إلى إقامة البينات، والنظر فيها من قبل الحكام؛ لقول الله تعالى: )وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ(، وقوله تعالى: )وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ(، قال القرطبي في تفسيره: “لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود” [الجامع لأحكام القرآن: 245/2]، وقد روى الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال: “كان رجل من الصحابة يقول: الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان، قال الطحاوي: لا نعلم له مخالفًا من الصحابة” [تحفةالأحوذي:596/4وقال ابن رشد: “وأما من يقيم هذا الحد فاتفقوا على أن الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود” [بداية المجتهد ونهاية المقتصد:755/1].

وعليه فإن الاعتداء على السيارة التابعة لوزارة العدل وهي تنقل السجناء لاستجوابهم، وقتل أحد المتهمين أثناء نقله يعد سابقة خطيرة في العدوان على سلطان الدولة، وتعدٍ سافر على شرعيتها، وافتيات على حقها في إقامة الأحكام، وهو محرم شرعًا، ومخالف لما أمر الله تعالى به الحكام من إقامة الحدود، ولما اتفق عليه أهل العلم في ذلك، وذلك لما يؤدي إليه من الهرج والفوضى والتحول إلى الثارات والانتقام.

        وعلى ولي الأمر أن يؤدب المعتدي بما يراه من عقوبة زاجرة، ورادعة لأمثاله، قال الدردير: “وأدب ـ أي المستحق ـ في قتله للجاني بغير إذن الإمام” [239/4]، والنصح لأولياء المقتول أن يتحلَّوا بالصبر وضبط النفس، وأن يحتسبوا الأجر عند الله، فإن الله تعالى يقول: )فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ( والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) [البخاري: 5763]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

                                                     الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                               مفتي عام ليبيا

15/جمادى الآخرة/1434هـ

2013/4/25م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق