بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5177)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
اشترى بعض الإخوة من الجالية المسلمة في كندا مبنًى، وتم الاتفاق مع صاحب المبنى على تسديد قيمته بالتقسيط، وبفضل الله؛ تم افتتاحه مركزًا إسلاميًّا ومسجدًا للصلاة، ومنارة للعلم وتحفيظ القرآن وتعليم الأطفال اللغة العربية، وقد سُدد جزءٌ كبير من أقساطه بفضل جهود المتطوعين، وبقي جزء من الدين يحل مع شهر أكتوبر المقبل، وقد استنفذ القائمون على المسجد جميع الوسائل لجمع المبلغ لتسديد الأقساط الباقية؛ فهل يجوز لهم أخذ مال الزكاة لتسديد الدين الباقي، أم لا؟ مع العلم أن هذا المركز يوجد في منطقة كبيرة، والمسلمون بحاجة إليه لإقامة شعائر الدين.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد جعل الله للزكاة مصارفَ لا تدفع إلا إليها، وهي الأصنافُ الثمانية التي بيّنها الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، وقوله تعالى: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فسّره أهل العلم بالإنفاق على الجهاد في العدة والعتاد وعلى المجاهدين، واختُلفَ في الإنفاق من مصرف في سبيل الله على الأمور المتعلقة بمصالح المسلمين العامة كإقامة المرافق التي يُحتاج إليها في العبادة والتعليم ونحو ذلك مما يحتاجون إليه في القُرب ومرافق الحياة الأخرى التي لا غنى لهم عنها، فجوّزَ بعضُهم ذلكَ، بناءً على أنّ سبيلَ الله لا ينحصرُ في الجهادِ بالنفس، بل يدخلُ فيه كل ما فيه تحقيقُ مصلحةٍ عامةٍ للمسلمين، قال الكاساني رحمه الله: “وَأمَّا قَولُهُ تَعَالَى: (وَفِي سَبِيْلِ اللهِ) فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَميعِ القُرَبِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللهِ وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ، إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا” [بدائع الصنائع:245/2].
عليه؛ فإذا استنفدت المجموعة القائمة على المركز جميع الوسائل في جمع المال وتسديد باقي الدين، ولم تتمكن من ذلك؛ فلها حينئذ الأخذ من أموال الزكاة بقدر الدين فقط؛ لدخوله في عموم قوله تعالى:﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، ويتأكد ذلك لكونهم في بلاد كفر، وحاجةُ المسلمين لمثل هذه المراكز لحفظ دينهم والدعوة إلى الله فيها مُلِحَّةٌ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16//شوال//1444هـ
07//05//2023م