طلب فتوى
الإجارةالبيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

دفع الخلو في عقارات الوقف والأملاك العامة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3283)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

قبل سنوات عرض عليَّ شخصٌ أنْ يتنازلَ لي عن عقدِ إيجارِ أرضٍ مملوكة للأوقاف، في منطقة النوفليين بمدينة طرابلس، مساحتها حوالي هكتار، وهي أرض فضاء مهملة، بها الكثير من الأوساخ والمخلفات، وبها حوالي عشرين نخلة، وتصنيف الأرض لدى الأوقاف زراعي، فلا يجوز للمستأجر أن يقوم بأي عمل يضرُّ بالأرض، وعليه عند ترجيعها أن يرجعها كما كانت أو أفضل، وقيمة الإيجار المذكورة في العقد ألفُ دينار سنويا، وتنازل لي مستأجرها مقابل مبلغ معين كخلو طرف، وهذا إجراء متعارف عليه في ذلك الوقت، في كثير من العقارات المملوكة للأوقاف والضمان الاجتماعي ومصلحة الأملاك العامة ووزارة الزراعة والبلديات، وجهات أخرى، فذهبنا للأوقاف، وطلبنا منهم تغيير عقد الأوقاف باسمي، وكان إجراءً طبيعيا، مع زيادة في قيمة الإيجار بنسبة (20%)، فأصبح الإيجار الجديد ألفا ومئتي دينار سنويا، فقمت بتنظيف الأرض من الأوساخ والمخلفات، وبناء سياج وأبواب حديدية، ثم قمت باستغلال جزء من الأرض مساحته (1540) متر مربع، أي (15%) من مساحة الأرض الكلية، ببناء مخزن لمواد البناء، وملحقاته، على نية إزالتها عند انتهاء العقد، ثم راجعت الأوقاف في ذلك الوقت لأخذ الإذن فيما صنعت، وكانت البلد في حالة طوارئ، فطلبوا مني التوقيع على عقد خدمي تجاري، بخصوص هذا الجزء المستغل، بقيمة إيجار اثني عشر ألف دينار سنويا، مقسمة بين المخزن وملحقاته، فقمت بسداد هذا الإيجار للسنة الأولى فقط، نظرا للظرف الطارئ يومئذ؛ من لجان تطهير واعتقالات للتجار ومديري الشركات، وطلبت من الأوقاف عدة مرات إعفائي من أجرة المخزن وملحقاته كونها من منقولاتي وبعضها لمجرد الاستعمال، فرفضوا بحجة اللوائح، كذلك اعترضت على احتسابهم زيادات في الأجرة عن السنوات الماضية، لم يتم إبلاغي بها، حتى بلغت إجمالي أجرة عشرين سنة الماضية (مليونًا ومائة وثمانين ألف دينار) عن جزء الأرض المستغل فقط، فردوا علي بإرسال إخطارات تهديد، إما السداد خلال ثلاثة أيام، أو إخلاء العقار، مع المطالبة بالسداد عن طريق القضاء، فقمت في الأشهر الأخيرة بدفع مبلغ عشرين ألف دينار، وكذلك ثلاثة صكوك مصدقة لثلاثة أشهر، قيمة كل صك مائة ألف دينار، وأنا مستمر في السداد، ولكني أشعر بالظلم الشديد.

وأما عقد إيجار الأرض الكلية (الزراعية)، فقد دفعت لهم قديما ثلاثين ألف دينار، وهو يغطي قيمة العقد إلى سنوات قادمة.

والسؤال: هل يتوافق ما قامت به الأوقاف مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ وهل يجوز لهم فرض قيمة إيجار على مخزن من منقولاتي الخاصة؟ وكذلك ملحقاته، التي بنيتها على نفقتي، ومستعد لإزالتها إذا رغبت الأوقاف في استرجاع الأرض؟ وحسب اللوائح إذا غرست نخلة يفرض علي أجرة عليها، وتؤول ملكيتها للوقف، فما حكم ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنه فيما يتعلق بالشق الأول – وهو دفع الخلو في عقارات الوقف والأملاك العامة للمستأجر الأول، من قبل مستأجر – فهذا لا يجوز، وإن تعارف عليه الناس، كما جاء في السؤال؛ لأنه من الإعانة على أكل أموال الوقف والأموال العامة بالباطل، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]، ويقول تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[البقرة:188].

والمال المدفوع في الخلو، هو من حق هيئة الأوقاف المالكة للعقار، وليس من حق شاغله، إلا إذا أذنت لك هيئة الأوقاف أن تدفع الخلو للمستأجر، وهي لا تفعل ذلك باختيارها، إن كانت مراعية لمصلحة الوقف على الوجه المشروع.

وأما فيما يتعلق بالشق الثاني – وهو العقد – فإنه من المعلوم شرعًا، ومما تعارف عليه الناس قانونًا، أنّ العقد شريعة المتعاقدين؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، فإذا وقَّع الطرفان على العقد، فمعنى ذلك أنهما رضيا به، وبما فيه من شروط، ويجب عليهما الالتزام بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) [أبوداود:3594]، وقد جاء فيما سمي بالعقد الزراعي لهذه الأرض، في المادة الخامسة منه؛ أن كل ما يحدثه المنتفع من إنشاءات أو غراس بالأرض، بغير إذن كتابي من الهيئة أو الفرع المختص، يصبح ملكًا لجهة الوقف، ولا يجوز إزالته أو طلب تعويض عنه.

وقد ألزمت هيئة الأوقاف السائل بعقد جديد، يخص الإنشاءات التي أحدثها، ورضي به؛ لأنه – كما قال في السؤال – دفع لها أجرة سنة، ثم قال إنه توقف عن الدفع، بسبب حالة الخوف مما يسمى لجان التطهير، التي كان النظام في ذلك الوقت يسلطها على التجار والشركات؛ لسلب أموالهم ومصادرتها، وكان على السائل إذا شعر أنه غير قادر على الوفاء بالعقد، أن يتقدم حينها بطلب إعفائه منه، والعقد يسمح له بذلك، أما التمسك بالعقد مع مخالفته شروطه، بعدم دفع الإيجار طول السنين الماضية، فيتحمل السائل مسؤوليته، لا هيئة الأوقاف، وأيضًا بناءً على شروط العقد؛ فإن المخزن وما يتبعه مما أحدث في الأرض التي استؤجرت باسم الزراعة، صار ملكًا لهيئة الوقف، ويجوز شرعًا للمستأجر أن يستغله للتجارةِ، بالصورة التي يريدها، وله إن رغب في استثمار الأرض بإنشاءات جديدة، أن يضمن لنفسه المدة التي يريدها للاستثمار، والتي تتناسب مع المال الذي ينفقه عليها، مثل عشر سنوات أو نحو ذلك، مما يعود على الطرفين وعلى البلد بالفائدة والنماءِ، فإنه معلوم لدى القاصي والداني، أنّ الأرض في منطقة (النوفليين) لا يستأجرها أحد للزراعة، وإنما استئجارها على الحقيقة لا يكون إلا للاستثمار، وإن كتب في العقد أنها للزراعة، واستئجارها بسعر الزراعة تفريط في الوقف، تُسألُ عنه هيئة الأوقاف، التي هي بمنزلة الناظرِ على الوقف؛ لأنه لو كان الناظر على الوقف يملك هكتارًا من الأرض في منطقة النوفليين، هل يمكن أن يؤجرها للزراعة بألفِ دينار في السنة؟! هذا تلاعبٌ واضح بأملاك الأوقاف، فإن أملاك الوقف لا يجوز للناظر أن يؤجرها بأقل من أجرةِ وسعرِ المثل، والمستأجر إذا طلب منه سعر المثل، عليه أن يلتزم به، أو يسلم العقار ويخرج منه؛ لتبرأ ذمته من المشاركة في التعدي على مال الوقف، فمال الوقف والمال العام في الحرمة بمنزلة مال اليتيم؛ كما جاء عن عمر رضي الله عنه، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10].

والزيادات التي طرأت على الأجرة طول السنين الماضية، سببها ارتفاع أجرة المثل على العقارات في السوق، وقد أعطت هيئة الاوقاف لنفسها الحق في ذلك، ورضي به المستأجر، وهو ما أشار إليه العقد التجاري الخدمي في المادة الثالثة منه: أنّ الأجرة ألف دينار شهريا، تدفع عند بداية كل شهر، وهي أجرة قابلة للزيادة عند إبرام عقد جديد، وجاء قبلها في المادة الثانية ما يفيد أن العقد يتجدد كل سنة، وأنه بذلك يكون خاضعًا للمراجعةِ والزيادةِ.

وجاء في المادة السابعة: إذا تأخر المستأجر في دفع الأجرة عن الموعد المحدد في المادة الثالثة، لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، يفسخ هذا العقد تلقائيا، وبدون حاجة لتنبيه أو إنذار، ويحق للأوقاف إخلاء العقار، على اعتبار أن المستأجر في هذه الحالة غاصبٌ له، وشاغله بدون سند قانوني.

وعليه؛ فالسائل عليه الوفاء بالديون التي ترتبت عليه لهيئة الأوقاف، طول المدة التي كان فيها قادرًا على الانتفاع من الأرضِ، فإن كانت هناك مدة منعه فيها ظرفٌ قاهر مِن استغلال الأرضِ، كالحروب ونحوها، فعلى هيئة الأوقافِ أن تخصمَ قدرها من الديونِ، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد محمد الكوحة

أحمد ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

11/شعبان/1438 هـ

08/مايو/2017م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق