طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالهبة

شرط صحة الهبة الحيازة في حياة الواهب

هبة الجد لأحفاده المحجورين لا تفتقر إلى الحيازة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4724)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

كتب والدي وثيقة تنازلٍ عن منزلهِ وعن أرضٍ له، قبل وفاته بسبعِ سنواتٍ، واشترط فيها عدم التصرف بتصرفٍ ينقلُ الملكيةَ إلا بموافقته، وبيّن فيها حدودَ أرضِ كلِّ واحدٍ مِن أبنائِهِ، وقد بنى بعض الأبناءِ الذكور فيها، وجزءٌ كبيرٌ من الأرض باقٍ كما هو، وكتب لبناته الأربع قطعتي أرض، والدورَ الأرضي من مسكن المتنازِل، علما أنه لم يتزوج من البنات إلا اثنتين، وأما الدور العلوي فلابنه الأكبر، وللمتنازِل ابنٌ توفي قبل كتابة الوثيقة، فكتب لأبناء ابنه قطعةَ أرض، ولا علم لجميع الورثة بالوثيقة إلَّا بعد وفاته، فما حكم هذه الوثيقة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ قسمة الأب للأراضي المذكورة على أبنائه، محددًا لهم موضع بناء كل واحد منهم، ثم تنازله لهم عن ذلك؛ يعدُّ هبة صحيحة، وبيانا لمراده من القسمةِ، وهو التمليك، إذا تمت حيازتهم لما حدده لهم بالبناء ونحوه، قال المواق رحمه الله: “وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الِابْنُ مِنْهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِالْإِشْهَادِ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ” [التاج والإكليل:8/11]، والوثيقة فيها شهادةُ واحدٍ فقط، وهو كاتب الوثيقة، فلابد معها من شاهدٍ آخر، أو يمين المستفيد على أن ما في الوثيقة صحيح؛ لتكميل النصاب.

وتنازل الأب لأبناء ابنه يعدُّ هبةً لمحجوره؛ لأنه الوصي عليهم عرفًا، قال الدردير رحمه الله: “(كَجَدٍّ) وَأُمٍّ وَعَمٍّ فَلَيْسَ بِوَلِيٍّ عَلَى الْيَتِيمِ فَلَا يَبِيعُ مَتَاعَهُ مَا لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا بِالنَّصِّ وَاسْتُحْسِنَ أَنَّ الْعُرْفَ كَالنَّصِّ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا لِأَهْلِ الْبَوَادِي وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ وَلَا يُوصِي عَلَى أَوْلَادِهِ اعْتِمَادًا عَلَى أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ جَدٍّ” [الشرح الكبير:3/301]، فهي هبة صحيحة يختصون بها ولا تحتاج إلى حيازة، وإنما يكفي فيها ثبوت التنازل، قال الدردير رحمه الله: “(إلَّا) أَنْ يَهَبَ وَلِيُّ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمِ قَاضٍ (لِمَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ، أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ فَلَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا ‌صَرَفَ ‌الْغَلَّةِ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ” [الشرح الكبير:4/107].

وأما ما تنازل عنه الأب لبقيّة أبنائه وبناتهِ، ولم تتم حيازتهم له بالبناء ونحو ذلك، فيعدّ هبةً غير صحيحةٍ ويكون ميراثا؛ ومثل ذلك بيت السكنى الذي بقي فيه الواهب إلى أن مات، فالعطيّة فيه باطلة لعدم الحيازة، ويدخل في الميراث.

وأما ما وهبه لابنه الأكبر من الدور العلويّ، فإن كان الابن الأكبر قد سكن فيه وحازه في حياة أبيه فالهبة صحيحة؛ لتمام الحيازة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

22//ربيع الآخر//1443هـ

28//11//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق