طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالهبة

متى تصح هبة الوالد لمحجوره في دار سكناه؟

توضيح وثيقة هبة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4723)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة عرفية ما نصّه: (الحمد لله وحده والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، وبعد؛ فقد حضر لدا كاتبه الحاج ع م .. وقرّر بأنّه صرف على ابنيه ل و ح في تجويزهما [هكذا] ألفا واحدا وستمائة وأحد عشر جنيها ليبيا، ثم بعد تقريره لما ذكر أشهد على نفسه أنه أعطى لابنيه الصّغيرين ن و خ كامل خمسة أقرط وثلث من تجزئة أربعة وعشرين قيراطا مشاعا في قطعة الأرض الدّاخلات يده بالشّراء من س وكامل الحوش الذي بها الكائنة بقرية شفا .. ثمّ ذكر الحدود .. وكامل النّصف البحري بما فيه من شجر المعروفة بسانية بن د .. ثمّ ذكر حدودها .. أعطى المعطي المذكور لابنيه المذكورين ما ذكر وحدّد ونعت في مقابلة تجويزهما [هكذا] فإذا صرف معهما أخواهما ل و ح المذكوران، فيكون ما ذكر أنصافا بينهما وإلا فيختصّ به ن و خ المذكوران ولا حقّ لأخويهما ل و ح المذكورين شهد عليه من عرفه بحال كمال بتاريخ 1391 ه ج ز، ثم استدراك يتعلّق بالحدود المذكورة)، وقد حضر ورثة المعطي المذكور، ل و ح و ن ووكيل ورثة خ، واتفقوا على طلب الفتوى لقطع النزاع بينهم، وخلص استفتاؤهم إلى الآتي: جميع الورثة موافقون على قسمة الأملاك بينهم حسب الفريضة الشرعية، ومتفقون حول تحديد ملك مورثهم، ما عدا ما ذكر في الوثيقة المرفقة بالاستفتاء، ويقر الجميع بأن وفاة الوالد كانت سنة 1972م، في شهر مارس، وكان عُمْرُ الابن ن عشرَ سنوَات، ويصغُرُه خ بأربع سنوات، وتركهما قاصرين، وأقر الجميع أيضا بعدم اطلاع أحد منهم أو علمه بالوثيقة المرفقة حال حياة الوالد يرحمه الله، وأوّل من اطّلع عليها من الحاضرين ح، وَجَدَها عند أمه، واحتفظَ بها إلى أن سلّمها لأخيه ن بعد زواجه سنة 1984م، وأقرّ الأخوان ل و ح بعدم قيامهما بالصرف مع أخويهما ن و خ في زواجهما، وكذلك أقر الجميع بأنّ الحوش المذكور في الوثيقة هو مسكن والدهم رحمه الله، ولم يخرج منه بعد كَتْبِ الوثيقة إلى أن مات وغسل فيه.

السؤال: هل ما ذكر في الوثيقة من أملاك يدخل في تركة المتوفى ط س، وهو من أملاك الورثة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فما كتبه الأب لابنيه الصغيرين مقابل زواجهما هو نحلة وحكمها حكم الهبة تحتاج إلى الحيازة، ويكفي فيها الإشهاد، قال الدّردير رحمه الله: “(إلَّا) أَنْ يَهَبَ وَلِيّ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمِ قَاضٍ (لِمَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ، أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ فَلَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا صَرْفَ الْغَلَّةَ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ… إلَّا (دَارَ سُكْنَاهُ) لَا تَصِحُّ هِبَتُهَا لِمَحْجُورِهِ إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِهَا حَتَّى مَاتَ” [الشرح الكبير: 4/107]، وفيما يتعلق ببيت سكناه الذي لم تتم فيه حيازة، ينظر إلى قيمته، فإن كانت تساوي ثلث العطية كلها فأقل، فالعطية فيه وفي غيره من الأراضي للصغيرين صحيحة، وإن كانت قيمة بيت السكنى بالنسبة للعطية كلها أكثر من الثلث إلى النصف، فالبيت ميراث؛ لأنه لم تتم حيازته، وباقي العطية في الأراضي صحيحة، وإن كانت قيمة البيت أكثرَ من نصف قيمة العطية كلها، فالعطية كلها باطلة وترجع ميراثاً؛ لأنها تعد فاقدةً للحيازة، قال خليل رحمه الله: “إِلَّا لِمَحْجُورِهِ إِلاَّ مَا لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ وَدَارَ سُكْنَاهُ إِلاَّ أَن يَسْكُنَ أَقَلَّهَا… وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ وَالْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ” [مختصر خليل: 214]، قال الشّيخ محمّد المدني كَنّون رحمه الله: “قَوْلُهُ: (إِلاَّ أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا) وَهْوَ الثّلُثُ فَدُون عَلَى الرَّاجِحِ وَبِهِ الْحُكْمُ وَالنّسْبَةُ لِمَجْمُوعِ الْهِبَةِ وَإِن كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ كَمَا فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ سَلْمُون وَغَيْرِهِمَا فَالْأْنْوَاعُ الْمُتَبَايِنَةُ مِنَ الْأَمْوَالِ كَالْأَشْيَاءِ الْمُتَّفِقَةِ فِي أَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَقَوْلُهُ: (بَطَلَ فَقَطْ) هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، خِلَافاً لِمَنْ جَعَلَ النِّصْفَ كَالْجُلِّ فِي بُطْلَانِ الْجَمِيعِ” [حاشية كَنون على المختصر: 7/215 وما بعدها].

عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فإن ن وورثةَ خ يختصون بجميع ما أعطاه الأب في الوثيقة المرفقةِ، يقسم بين الفريقين مناصفةً، إن كان ما سكنَه الأب من الحوش المذكور يعادلُ يوم العطية الثلثَ فأقل مِن جميع الموهوب، ويختصون بما عدَا الحوش إن كانت قيمته أكثر من الثلث، ولم يتعدَّ النصف بالنسبة لقيمته مع غيره، وذلك بعد إثبات وثيقة العطية المرفقة لدى الجهات المخوّلة بإثبات الوثائق والتحقق منها، متمثلةً في المحاكم والخبرةِ القضائية، ولابدّ مع ذلك من يمين أحد المستحقين المذكورينَ، وهم ن وورثةُ خ؛ لأن الوثيقة أشهد عليها الأب رجلًا واحدًا فقط، وهو ج ز، قال ابنُ فرحون رحمه الله: “وَإِذَا قَامَ جَمَاعَةٌ فِي صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُمْ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَقَامُوا يَطْلُبُونَ صَدَقَتَهُمْ مِنْ وَرَثَةِ الْمُوَصِّي وَلَمْ يَجِدُوا عَلَيْهَا إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ مَعَ شَاهِدِهِمْ، وَيَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ لِجَمِيعِهِمْ” [تبصرة الحكام: 1/344]، ويكون الحلف بالقطع على أن ما في الوثيقة صحيح، إن اعتقد الحالف ذلك بالاعتماد على قرائن تثبت صحة ما في الوثيقة؛ قال الدردير رحمه الله: “(وَاعْتمدَ الْبَاتُّ) فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ، أَيْ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْيَمِينِ بَتًّا مُسْتَنِدًا (عَلَى ‌ظَنٍّ ‌قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ) أَوْ أَخِيهِ (أَوْ قَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عُرْفًا عَلَى الْحَقِّ كَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قِيَامِ شَاهِدٍ لِلْمُدَّعِي بِدَيْنِ أَبِيهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ” [الشرح الكبير: 4/230]، وأما إن كان الحوش المذكور يوم العطية يعادل أكثر من نصفِ العطية كلها، فجميع المُعطى يرجع ميراثًا، يقسم حسبَ الفريضة الشرعية بين ورثة ط س، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

22//ربيع الآخر//1443هـ

28//11//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق