طلب فتوى
الزكاةالعباداتالفتاوى

صرف الزكاة للغارم

الغارم من مصارف الزكاة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3924)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

امتهنتُ تجارة الذهب بين مدينتي طرابلس وغريان، فتعرضتُ لسرقة، واستدنت بعض الأموال للاستمرار في عملي، ولم أستطع تعويض خسائري، ثم أصبحت أستلم حوالات مالية من تركيا وأوصلها لمستحقيها في غريان، وفي هذه الأثناء زاد تأثري بضغوط العمل، وأصبحت كثير النسيان والشرود، حتى إنني كنت أنسى المبالغ والمعاملات حتى يذكرني بها أصحابها، وزاد عجزي، فاستدنت مرة أخرى، وكنت أجد الأمر سهلا، فكل من أطلب منه يعطيني بلا تردد، فنصحني بعض أشقائي بالتوقف عن العمل، لما أعانيه من اضطراب وعدم راحة، وأصرّ أحد أشقائي أنني مسحور ويجب أن أسترقي، لكنني رفضت، زعمًا مني أن ذلك سيشعر الدائنين أنني مريض، وقد يطالبون بمستحقاتهم الكبيرة، وقد بلغت أربعة ملايين دينار، فاستمر الوضع على ما هو عليه، حتى تهجَّم بعض أصحاب الحقوق على البيت، وحاولوا اقتحامه، واختطفوا شقيقي لأسبوعين، فتدهورت حالتي النفسية كثيرًا، ولكن بفضل الله وبمساعدة الأهل والأصحاب اقتنعت بالرقية، فتبين أنني مسحور، وبعد فترة من العلاج امتدت لأربعة أشهر انفك السحر، وحسب قول المعالج فإن السحر سحر أسود، ومن آثاره شرود الذهن، وهو ما كنت أعاني منه حقًّا، والآن أشعر بحال أفضل، لكن كثيرا من أصحاب الحقوق يطالبون بحقوقهم، ومنهم من يهددني، وعائلتي تحت ضغط شديد، حتى إن بعض أشقائي لا يستطيعون الرجوع للبلاد خوفًا من التعرض لمكروه، وكثير من الناس يريد إعطائي من الزكاة لرفع بعض الثقل عن كاهلي، فهل أنا من الغارمين الذين تحل لهم الزكاة، حيث إنني لا أستطيع رد الديون لأصحابها ولو بعد مدة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فيجوز إعطاء الزكاة لمن عليه دين وعجز عن سداده، ولا يستطيع الوفاء به؛ لأنه من الغارمين، وهم أحد مصارف الزكاة الثمانية، الواردة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60]، بشرط أن يكون قد استدان في أمر مباح، فإن استدان في معصية فلا يعطى، إلا إذا تاب وحسنت توبته، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خِلَافَ فِيهِ، الَّلهُمَّ إِلاَّ مَنْ أَدَانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ” [تفسير القرطبي:8/183]، وقال ابن جزي رحمه الله في تفسيره: “(وَالْغَارِمِينَ) يَعْنِي: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اسْتَدَانَ فِي غَيْرِ فَسَادٍ وَلاَ سَرَفٍ”[التسهيل لعلوم التنزيل:1/341]، وقال اللخمي عند ذكره لمصرف الغارمين ما نصه: “وَالْغَارِمُ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَقْضِيهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لاَ يَكُونَ عِندَهُ مَا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنُهُ، وَالدَّيْنُ لِآدِمِيٍّ، وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ، وَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ فِي فَسَادٍ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَقًّا للهِ سُبْحَانَهُ – كَفَّارَةَ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ – لَمْ يُعْطَ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إِذَا تَدَايَنَ فِي فَسَادٍ، فَقِيلَ لاَ يُعْطَى مِنْهَا مَا يَقْضِي ذَلِكَ الدَّيْنَ، وَقاَلَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِذَا حَسُنَتْ حَالُهُ أُعْطِيَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا تَسَلَّفَ فِيمَا يَجُوزُ، وَهْوَ دَيْنٌ يَلْزَمُ ذِمَّتَهُ وَيُحاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ” [التبصرة: 978/3].

عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، وليس عندك ما يباع من الملك والمتاع زائدا عن قدر نفقتك وسكناك بحسب وسط الناس، فيجوز لك أخذ الزكاة بشرط أن تتوقف عن الاستدانة والاستمرار في التجارة التي أوصلتك إلى هذا الحال، وتبَيَّن أنك غير قادر عليها، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

12/ذو القعدة/1440هـ

15/07/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق