طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

مطالبِ أعداء المسلمين القُدامَى هي مطالب أعدائِهم هذه الأيام.. وموقف الساسة من ذلك

سلسلة مستلة من كتاب المنتخب من صحيح التفسير

مطالبِ أعداء المسلمين القُدامَى هي مطالب أعدائِهم هذه الأيام.. وموقف الساسة من ذلك

 

سلسلة مستلة من كتاب المنتخب من صحيح التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم
منتخب من المنتخب (1)

كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على إيمان المشركينَ، وعلى كفّ أذاهم عن المستضعفين مِن أصحابهِ، الذين لم تكنْ لهم قبائل تنتصر لهم إذا ظُلموا، أمثال بلال وعمّار وصهيب وخباب، وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: لو تكف عن ذكر آلهتنا بسوء، وتجعل لنا عندك حظوة، بحيث لا تسوي بيننا وبين الفقراء الذين معك، فتبعدهم عنك إذا غشينا مجلسك، لو فعلتَ ذلك نتصالح معكَ، وعرضوا عليه في ذلك مكاسب، يعلمونَ أنّه حريصٌ عليها ويحبّها، منها أنّهم يمنونَه بإسلامهم، وألَّا يتعرضوا لأصحابه.
عصمَ اللهُ تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم مِن أن يستجيبَ لهم، وكشفَ له خداعَهم ومكرهمْ، وحذّره مِن كيدِهم، وقصَّ لنا خبرهم؛ لئلّا تقعَ أُمتُه فيما عصم نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم منه، فقال: (وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا)، همّوا منكَ بما لم ينالوا، فطلبُوا منك مداهنتهم، وكَتْم ما أُمرتَ بتبليغهِ، وألَّا تتعرضَ لآلهتهم بسوءٍ، كما قالوا: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ).
طمعوا منه بذلك وتمنوه، فسلّمَهُ اللهُ ولم يُجبْهم، وتمنّيهم هو مِن شأنِهم، وليسَ مِن شأنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فليسَ بضارِّه شيئًا، ثم قالَ: (وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) لو ظفروا منك بما ابتغوه، وصرفوكَ عن بعضِ ما أوحى اللهُ إليك، وجاملتَهم فيهِ، لقرَّبُوك إليهم، ولاتخذوك مِن أهلِ مودتهم وأحبائِهِم، ولذكروكَ في مجالسهم بخيرٍ.
وإنّ المتأملَ لمطالبِ أعداء المسلمين القُدامَى، ليجدُها هي مطالب أعدائِهم هذه الأيام؛ ألَّا يتكلّموا على الجهادِ، ولا يذكرُوا آياتهِ، وأن تحذَفَ مِن مناهجِ التعليم، وأنْ تُقفلَ مدارسُ التعليمِ الدينيّ، وأن يُطَبّعوا معَ عدوّهم، حتى يتصالحوا معهم، ويتخذوهم مِن حلفائِهم وأهل مودتِهم، حتى لا يتهموهُم (بالإرهاب).

يطلبون من المسلمين اليومَ التفريطَ في ثوابتِ دينِهم، وقضايا أمّتِهم، والاستسلامَ لهم، والتهاونَ معهم فيما هوَ مِن مسائلِ الولاءِ والبراءِ، التي تصحّحُ الإيمانَ أو تنقضُهُ، ما يجرِي اليوم هو صورةٌ مطابقةٌ تمامًا لما كانَ يطلبُه المشركون منَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، هم أيضًا قديمًا طلبوا التطبيعَ والمداهنةَ، حتّى يكفوا أذاهُم عن المسلمين، ويلبُّوا لهم بعضَ ما يحبونَ، ويُجنّبوهم المواجهاتِ والحروبَ، مقابلَ أن يُفرطُوا في قضيتِهم الأصلية، وهي القيامُ بأمرِ الإسلامِ.

فنزلَ القرآنُ مُحَذّرًا لهم في آياتٍ عديدةٍ، بعضها يؤكدُ بعضًا: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ).

فما يفعله الساسةُ اليومَ، ويزينُه لهم بعضُ مَن يتكلمُ باسمِ المصالحِ والمقاصدِ، مِن التنازلاتِ والاستسلامِ للعدوّ، سواء على المستوى المحليّ، في حلِّ قضاياهم الداخليةِ، أو على المستوى الخارجيّ، بالتطبيعِ مع العدوِّ، الذي يدنسُ مقدساتِ المسلمينَ، ويغتصبُ أرضَهم، بحجةِ حقنِ الدماءِ، وارتكابِ أخفِّ الضررِ، بتجنبِ مواجهةِ دولٍ كبرَى، لا طاقةَ لمواجهتِها، هو بعينِه ما حذّرَ اللهُ منه رسولَه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، قال تعالى: (وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) لصارُوا حلفاءَكَ، ولأمِنْتَ مِن مواجهةٍ ليسَ للمسلمينَ قدرةٌ عليها.

الله تبارك وتعالى عندما حذَّرَ مِن ذلكَ، يعلمُ أنّ الاستسلامَ للعدوِّ بهذهِ الذرائعِ، لا يزيدُ أمرَ المسلمينَ إلّا سوءًا، ولا عدوَّهم إلَّا إمعانًا في النَّيلِ منهم، وإذلالِهم وتقتيلِهم، وقد أدَّتْ هذه المواقفُ المداهِنةُ للعدوِّ، المستسلمةُ له تحتَ هذه الذرائعِ – كما هو مُشاهَد اليوم – إلى سفكِ دماءِ الملايين مِن المسلمين، وتدميرِ مُدنِهم، وإلى الاحتلالِ الكاملِ لشعوبِ المنطقةِ، بالهيمنةِ عليهم، ومصادرةِ قراراتِهم وحرياتِهم، والتحكمِ في أموالِهم وثرواتِهم، ودفع الجزيةِ لأعدائهم، فلا دِينًا بهذَا الاستسلامِ حفِظوا، ولا دُنيا أقامُوا.

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
21 ربيع الآخر 1440 هـ
الموافق 28 ديسمبر 2018

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق