طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

مقال للمفتي بعنوان : مفاهيم خاطئة .. الوقوف على مسافة واحدة

                                                         بسم الله الرحمن الرحيم
                                             مفاهيم خاطئة .. الوقوف على مسافة واحدة
 

          
الوقوف على الحياد في المفهوم المعاصر، و بالأخص عند الإعلاميين والساسة، أن تقف في أي قضية على مسافة واحدة من الحق والباطل، تنقل للناس الحق وتدعو إليه، وتنقل إليهم الباطل وتدعو إليه، أن ترضي هؤلاء وترضي هؤلاء، أن يستوي عندك الحلال والحرام، الخبيث والطيب، أن تغضب ممن ينحاز إلى الحق؛ لأنه لم يقف على مسافة واحدة من الباطل، وأن ترضى على الباطل حتى لا تتهم بالتحيز إلى مقابله.
          
ثقافة جديدة يتبناها الناس في عالم الإعلام والسياسة ، ثقافة أن ترضي الجميع ولا تغضب أحدا، ثقافة أن لا تكون لك رسالة وألا تحمل مبدأ ، فهل يتفق هذا مع رسالة المسلم، القائمة على مبدأ (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)؟
          
ليس هناك في مفهوم القرآن إلا موقفان لا ثالث لهما، حق وهوى، ضلال وهدى، صواب وخطأ، فالله تعالى يقول: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ)، ويقول: (فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّه).
            ليس هناك في القرآن (بين بين)، ولا وقوف في مفترق طرق بين شيئين، وأن تكون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فتلك صفة المنافقين في القرآن : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) ،(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ .(
          
ليس من عدل الإسلام أن تقول للمحسن والمخطئ معا أخطأت، أو تقول لهما معا أحسنت، بل تقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون .(
          
فالوقوف على مسافة واحدة بين الحق والباطل مفهوم خاطئ، ومع هذا المفهوم الخاطئ للحياد في عقيدة المسلم – فقد خيب الإعلام الأمل، فلم يلتزم به حتى مع خطئه.
          
اتصل بدار الإفتاء بعض الجمعيات النسائية تشكين من موقف الإعلام منهن الأربعاء الماضي، فقد خرج النساء في وقفة احتجاجية، وكن فريقان:
          
نساء متحجبات يعترضن على ما جاء في المسودة المعروضة على الأمم المتحدة للتصويت، أقل ما توصف به هذه المسودة أنها تدمير للأسرة، وتمرد على شرع الله، مسودةً تسوي بين السفاح والنكاح ، وتعد اختصاص النساء بالأمومة والحضانة، وإلزام المرأة بالعدة دون الرجل، وميراثها على النصف منه، تعد كل ذلك من العنف ضد المرأة، الذي لا يجوز السكوت عنه.
          
اعترض المتحجبات عن هذا الهراء في المسودة، ورفعن شعار (الإسلام أنصفنا، ولا نريد شيئا سوى الإسلام.(
          
فريق آخر من النساء، رفعن شعارات تؤيد مسودة الأمم المتحدة، وأنها الوسيلة لوقف العنف ضد المرأة، ورفعن شعار (لا للعنف باسم الدين.(
          
قالت من شكين من موقف الإعلام: نقل الإعلام الذي يتظاهر بالحياد نقلاً مباشراً وقفة الفريق الثاني، وتجاهل الفريق الأول، مع أنهن أكثر عدداً، بل رمى المتحجبات بالجهل والتخلف، وسخر منهن؛ لأنهن رضين بالإسلام حكماً على حقوقهن.
          
أليس هذا من عنف الإعلام المتصلت على المرأة المسلمة المتحجبة؟
          
يسألن ما السبيل لإنصافهن من إعلام في بلد مسلم، يسخر من مطالبهن ، ويرميهن بالجهل والتخلف.
          
أقول: لا أجد شبيها لهن مع من سخر منهن ، إلا قول نوح عليه السلام لقومه) :قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَّأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ.(
 

                                                                                              
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
                                                                                                      
الأحد 5 جمادى الأولى 1434 هـ
                                                                                                             
الموافق 17 مارس 2013 م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق