طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

هل الطلاق حال الغضب لا يقع؟

هل الغضب الشديد يمنع وقوع الطلاق؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5061)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

حصل بيني وبين زوجتي شجارٌ ومشادةٌ كلاميةٌ، وكانت تصرخُ بكلمة (طلقني)، عندها فقدتُ أعصابي وخرجتُ عن صوابي، وبدأت أتلفظُ بألفاظٍ لو كنت بعقلي لن أقولَها، فقمتُ بالتلفظ بالطلاقِ الصريح، ولم أشعرْ بأني طلقت، حتى صرخَتْ زوجتي: (قد حرمتُ عليك)، وعندما ذهب عني الغضب لم أصدقْ أنني طلقتُ، فما الحكم؟ علمًا أن هذا هو الطلاق الثالث.

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن العقل هو مناطُ التكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوال والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعي ما يقول، ويقصدُ ما تكلم به، فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلقُ شديدَ الغضبِ وقتَ الطلاقِ، إلى درجةٍ لا يعي فيها ما يقولُ، ولا يشعرُ بما صدرَ منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنّ الزوجَ صارَ في حكم المجنونِ فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ، خِلَافاً لِبَعْضِهِمْ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [بلغة السالك: 351/2].

عليه؛ فإن كان السائل وقت وقوع الطلاق قد بلغَ به الغضبُ مبلغًا، بحيثُ لم يعِ ما وقع منه؛ فلا يلزمُهُ الطلاق، أما إن كان غضبُهُ دون ذلك، وهو مدركٌ لما وقع منه؛ فالطلاقُ قد لزمَه.

وعلى السائلِ وغيرهِ؛ أن يعلم أنّ أكثر أسبابِ الطلاق هو الغضبُ، والغضبُ جمرةٌ في القلب، يجبُ على المسلم أنْ يُطفئها، ولا يجوزُ له أن يستسلمَ لها ويشعلَها، حتى يفقدَ صوابهُ، ويرتكبَ المحذوراتِ، ومِن أكثر المحذوراتِ المترتبةِ على الغضبِ هذه الأيام الطلاقُ، الذي يترتبُ عليه هدمُ الأسرةِ وضياعُ الأولادِ، فالله تبارك وتعالى جعلَ القوامةَ في البيت للرجال؛ لأنهم أقدرُ على أنْ يملكوا أعصابَهم، إذا عصفَتْ بالبيتِ الزوابعُ، وأن يَسُوسُوا البيتَ بما يقتضيهِ الشرعُ والعقلُ، لذلكَ كان المطلوبُ من الزوجِ إذا أغضبتْه زوجتهُ بكلمةٍ حركها الشيطانُ في نفسِها، أنْ يجيبَـها بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم للرجلِ الذي احمرَّ وجههُ وانتفختْ أوداجُهُ: (إِنِّي ‌لَأَعْلَمُ ‌كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ) [البخاري: 6115]، أي لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ لذَهَبَ غضبُه، أو يغير الحالَ التي هو عليها؛ إنْ كان قائما جلسَ، أو كان في البيتِ خرجَ منه، دونَ أن يستجيبَ شيطانُهُ لشيطانِها، فيصرخَ ويطلقَ مِن الطلاقِ ما لا يحصيهِ من العَدد، ثم بعدَ فواتِ الأوانِ، إذا جلسَ كما أمرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو توضأَ، أو خرجَ من بيتهِ؛ رجعَ له عقلهُ، وعضَّ أصابعَ الندمِ، فصار يبحثُ عمن يحلّل لهُ ويفتيهِ، فالحذرَ الحذرَ مِن الغضبِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: (قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، قَالَ: أَوْصِنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، كَرَّرَهَا عَلَيْهِ ثَلَاثاً) [البخاري: 6116]، وعن ‌سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي ‌لَأَعْلَمُ ‌كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ) [البخاري: 6115]، فالغضبُ مرضٌ، علاجُهُ هذه الوصفةُ المباركةُ، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

04//جمادى الآخرة//1444هـ

28//12//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق