هل يجوز للمواطنين التصرف في المساكن المخصصة لهم من الدولة بالبيع وغيره؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4963)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
قام النظام سابقًا بتخصيص مساكن بمنطقة هون لمواطنين، أغلبهم من العسكريين، وخُصص بعضها لمدنيين، وذلك بعقد يوقع عليه المستلم مع الجهة المانحة، ومن ضمن بنود العقدِ تعهدُ المستلم بعدم التصرف في المسكن بالتنازل أو البيع، وأنه في حال نَقلِ المنتفع أو إنهاءِ خدمته، فإنه يقوم بتسليم المسكن للجنة المختصة، ولكن كثيرًا من المنتفعين جروا على بيعها، وبعضهم يسميها خلوا، ولم تتابع أي جهة رسمية هذا الأمر، فما حكم التصرف في هذه المساكن؟ وهل ينتقل لورثة المنتفع بعد وفاته؟ وما حكم ورثة المشتري؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن هذه المساكن المخصصة من الدولة للمواطنين تعدُّ من الأملاك العامة، التي ترجع للدولة، ولا يجوز التصرف فيها بالباطن ببيع ونحوه، التزاما بما جاء في العقد، إلّا بموافقة كتابية من الجهة المالكة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) [أبو داود: 3594]، وقال القَاسِمُ بنُ مُحمدٍ: “مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أُعْطُوا”[الموطأ: 1447]، والتصرّف من غير موافقة من الجهة المانحة يعدّ غصبًا وتعديًا على الأملاك العامة، والواجبُ على من اشترى شيئًا من هذه المساكن ردّه للجهة المالكة، ويرجع على مَن باعه بالثمن، كما يرجع المغصوب منه على الغاصب، وإذا تُوفي المستحقّ للانتفاع فالظاهرُ استمرار العقد لورثته من بعده، إلّا أن تفسخ الجهة المانحةُ العقدَ، أو تعطيَ المنفعة لغيرهم، عملا بالإذن العرفي في ذلك، قال الدردير رحمه الله في معرض كلامه عن إقطاع السلطان الأرض للفلاحين: “… يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَو نَائِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ وَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا وَيُعْطِيَهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ يُؤَدِّي إلَى الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ نَوْعَ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَيْضًا الْعَادَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حُكْمِ السَّلَاطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ: بِأَنَّ كُلَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ … رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَصْلَحَةِ، نَعَمْ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَالْأَمْرُ لِلْمُلْتَزِمِ [أي المالك]” [الشرح الكبير: 189/2]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
حسن بن سالم الشريف
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//صفر//1444هـ
12//09//2022م