طلب فتوى
الزكاةالعباداتالفتاوى

هل يعطى من الزكاة من ترتب عليه دين في معصية؟

متى يعطى الغارم من الزكاة؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3957)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

تعاملت مع تاجر عملة في سوق المشير، حيث كنت أقوم بإيداع مبالغ بالدولار تخص أشخاصًا يتعاملون معي شخصيًّا في حسابه في تركيا، ثم أستلم منه هذه المبالغ في طرابلس وأسلمها لأصحابها، وآخذ عمولتي بالتراضي، تعاملت معه بهذه الطريقة لما يقارب السنة، وفي يوم من الأيام نصب عليَّ وورَّطني في مبالغ كبيرة، تخص أشخاصًا أتعامل معهم، وكنت أقرضته قبل هذه الحادثة بأسبوع مبلغا ماليا كبيرًا بحكم الثقة، ولتعاملي معه طوال هذه المدة، فبدأت في تسديد هذه الديون بكل ما لدي من أموال، فلم أقض ديوني، وبعد ذلك سددت بعضا من هذه الديون بما أمتلك من أراض، ولايزال علي حمل كبير من الديون لا طاقة لي به، علما بأني لا أستطيع الخروج للطريق أو السوق وممارسة حياتي الطبيعية، حتى بعد مرور ثمانية أشهر، خشية على نفسي من أذية من يطالبونني بالديون؛ لأني تعرضت للخطف والأذية في بداية الحادثة، فهل يجوز إعطائي من الزكاة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن كنت تستلم المبالغ من التاجر بالدينار الليبي في ليبيا، فهي معاملة ربوية محرمة، والله تبارك وتعالى توعد الربا بالمحق قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 275]، فإن كان الأمر كما ذكر، فعليك أن تتوب إلى الله وتندم ولا تعود إلى مثل هذه المعاملة، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 274]، فهذا أول ما يجب عليك أن تفعله قبل أن تسأل عن أموال الزكاة، أما فيما يتعلق بأخذك الزكاةَ لسداد هذه الديون، فإن من ترتبَ عليه دين في معصية، فلا يجوز له أخذ الزكاة إلا إذا تاب وصدقت توبته.

وعليه؛ فإذا تُبتَ وصدقت توبتك، فإنه يجوز لك أخذ الزكاة لتسديد الدين، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خِلَافَ فِيهِ، الَّلهُمَّ إِلاَّ مَنْ أَدَانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ” [تفسير القرطبي:8/183]، وقال ابن جزي رحمه الله في تفسيره: “(وَالْغَارِمِينَ) يَعْنِي: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اسْتَدَانَ فِي غَيْرِ فَسَادٍ وَلاَ سَرَفٍ” [التسهيل لعلوم التنزيل:1/341]، وهذا بشرط أن تكون قد بعت كل ما تملكه من عقار ونحوه زائدٍ عن حاجتك الضرورية في المسكن الضروري والقوت الضروري لتسديد الدين، ولم تستطع الوفاء، قال اللخمي عند ذكره لمصرف الغارمين ما نصه: “وَالْغَارِمُ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَقْضِيهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لاَ يَكُونَ عِندَهُ مَا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنُهُ، وَالدَّيْنُ لِآدِمِيٍّ، وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ، وَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ فِي فَسَادٍ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَقًّا للهِ سُبْحَانَهُ – كَفَّارَةَ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ – لَمْ يُعْطَ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إِذَا تَدَايَنَ فِي فَسَادٍ، فَقِيلَ لاَ يُعْطَى مِنْهَا مَا يَقْضِي ذَلِكَ الدَّيْنَ، وَقاَلَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِذَا حَسُنَتْ حَالُهُ أُعْطِيَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا تَسَلَّفَ فِيمَا يَجُوزُ، وَهْوَ دَيْنٌ يَلْزَمُ ذِمَّتَهُ وَيُحاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ” [التبصرة: 978/3]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

25/ذو الحجة/1440هـ

26/08/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق