حكم إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي والاشتراك فيه
مراجعة النظام الأساسي لصندوق تكافل اجتماعي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4099)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم ما جاء في مقترح النظام الأساسي لصندوق التكافل الاجتماعي، المراد إنشاؤه لأهالي (هـ)، وحكم المشاركة فيه؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا حرج في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي والاشتراك فيه؛ لأنه من التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينًا لهذا الصندوقِ طواعيةً، لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعينَ غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) [البخاري:2486]، فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحدُ المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ مُضِرٌّ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبنٌ، وقد نصّ علماؤُنا رحمه الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالاَتُ وَالْغَرَرُ، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ … وَمِنْهُمْ مَن فَصَّلَ – وَهوَ مَالكٌ – بين قاعدة مَا يُجتَنَبُ فِيهِ الغَرَرُ وَالجَهَالَة، وَهْوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهْوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ …، وَثَانِيهِمَا مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ؛ كَالصَدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَن أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيهِ ـ أي بِفَوَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلُ شَيْئًا نَظِيرَ مَا فَاتَهُ ـ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمالُ المبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الجَهَالَةِ فِيهِ” [الفروق: 2/137].
وبعد مراجعة النظام الأساسي لصندوق التكافل الاجتماعي، لأهالي منطقة (هـ) تبينَ الآتي:
أوَّلًا: أنَّ النظام الأساسي بحاجة إلى إضافة فصلٍ، تُذكر فيه المبادئ التي يلتزم بها الصندوق، عند تقديم خدماته للمشتركين، يتضمن الفقرات التالية:
1- أنَّ الصندوق ملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في كلِّ ما يقوم به من أعمال، بما في ذلك: عدم استثمار أو إيداع أموال الصندوق في أنشطة محرمة، كالمصارف الربوية وغيرها.
2- أنَّ الاشتراك في الصندوق قائم على أساس التبرع والتعاون من قبل المشتركين؛ لإعانة بعضهم بعضًا على البرّ والتقوى، ويلتزم الصندوق بتحقيق مبدأ التكافل بين المشتركين، وذلك من خلال تقديم المساعدة لهم، طبقًا للشروط المنصوص عليها في النظام الأساسي.
3- يعتبر كلُّ مشترك شريكًا في رأس مال صندوق التكافل، بنسبة ما دفعه من اشتراكات، ويلتزم بالتعاون مع بقية المشتركين، في الحالات المنصوص عليها في النظام الأساسي.
4- يفوض المشتركون لجنة الإدارة في استثمار المتوفر من أموال الصندوق، كليًّا أو جزئيًّا، نيابة عنهم، بالوسائل المقبولة شرعًا.
5- يحق لكل مشترك إنهاء اشتراكه متى شاء، بشرط إعلام الصندوق بذلك خطيًّا، قبل الإنهاء بشهر على الأقل، ما لم يؤدِّ انسحابه إلى الإضرار بالصندوقِ أو الإخلال بالتزاماته، وفي كل الأحوال، يخصم من مجموع اشتراكات المنسحب نسبة حصته من الإعانات الممنوحة للمشتركين الآخرين، في الفترة بين إيداع اشتراكه وانسحابه الفعلي، لأنه التزم بذلك عند اشتراكه، بأن يقال: كم مقدار ما اشترك به العضو في الصندوق منذ انضمامه، وكم هي التعويضات التي دفعت للمشتركين في الفترة من وقت اشتراكه إلى وقت انسحابه، فيخصم منه نسبة ما ينوبه من التعويض، ويرد له الباقي إن كان بقي له شيء.
6- عند تصفية الصندوق؛ يُردّ ما تبقى من موجوداته – بعد سداد التزامات الصندوق – على المشتركين؛ كلٌّ حسب نسبة اشتراكه، ويتبرع بالجزء الذي لا يمكن التوصل إلى أصحابه في وجوه البر.
7- الفائض المتحقق في الصندوق حقٌّ للمشتركين، وهو مملوكٌ لهم ملكًا مشتركًا.
ثانيًا: حرصًا على التزام الصندوق بأحكام الشريعة الإسلامية وعدم مخالفتها؛ على الصندوق تكليف مستشارٍ شرعيٍّ يقوم بمراقبة أعماله.
ثالثًا: ذكر من أهداف الصندوق ما نصه: “3- المساعدة في حالة الوفاة”.
والواجب في حالة وفاة المشترك، إعطاء الإعانة لأسرة المتوفى بعد نهاية العزاء؛ ليستفيدوا منها في معيشتهم وقضاء حوائجهم المشروعة، لا في العزاء؛ لما يحصل – غالبًا – من دفع هذا المال في شراء الذبائح وإطعام الطعام، وهو منْهيٌّ عنه؛ لما جاء عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: (كُنَّا نَرَى الاِجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِن النِّيَاحَةِ) [ابن ماجه: 1612]، ولا تجوز الإعانة على المنهيات الشرعية، ولا ما سيؤدي إلى ترسيخ هذه العادة القبيحة، من الاجتماع إلى طعام الميت، التي تحوِّل المآتم إلى ضيافة وولائم.
رابعًا: جاء في المادة (2) من النظام الأساسي ما نصه: “ولا يتم دفع الإعانات المالية المنصوص عليها بهذه اللائحة للأسرة المشتركة بالصندوق إلا بعد مضي سنة من تاريخ الانتساب”، كما جاء في المادة (14) عند الكلام عن العضو الإداري ما نصه:
“وليس للعضو الجديد الحق في الانتفاع من الصندوق إلا بعد مرور ستة أشهر على انتسابه”.
وفي هاتين المادتين إجحاف بحقوق المتبرعين، وقد تقدم أن هذا العقد مبني على المسامحة والمتاركة، لا المشاحة والمغالبة، ومثل هذه الشروط تعدّ من شروط الإذعان، المصحوبة بعدم الرضا الذي يفسد العقود، فالعدل أنه متى تقيد المشترك بدفع الأقساط، والتزم بذلك، استحق الإعانة، بشرط ألّا يكون اشتراكه بعد حصول سبب الإعانة من الصندوق، وإلا عومل بنقيض قصده، ولا حرجَ شرعًا في ذلك.
ثامنًا: جاء في المادة (3) من النظام الأساسي ما نصه: “مع مراعاة أن هذه الرسوم (الانتساب والاشتراك) لا ترد لأيِّ سبب كان وبأي حال من الأحوال”.
فيراجع في المبادئ الأساسية المقترحة النقاط رقم (6،5،3)، وكذا في كل ما يخالفها، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03// جمادى الآخرة// 1441هـ
29// 01// 2020م