بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4973)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أرغب بشراء عقارٍ عن طريق المصرف بالتقسيط، وذلك بعد أن أعينَه له ويشتريه، ولضمان المصرف سداد المشتري كامل الأقساطِ يخيرُ العميلُ؛ إمّا أن يرهن العقار لدى المصرف، بحجز أوراق الملكية، مع تمكين المشتري من الانتفاع به دون التصرف فيه ببيع ونحوه، حتى يفكّ الرهن، أو أنّ ملكيةَ العقار لا تنتقلُ للمشتري إلَّا بعد سدادِهِ كاملَ قيمة الدين، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن المبيع إلى أجل إذا كان عقارًا ونحوه ورهن في ثمنه، فإنه يبقَى في حوز البائع، قَالَ القرافي رحمه الله نقلا عن اللَّخْمِيّ رحمه الله: “إذَا ابْتَاعَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْمَبِيعَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ إِلَى أَجَلِ الثَّمَنِ امْتَنَعَ، وَإِنْ جَعَلَهُ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ جَازَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَا يَدْرِي مَتَى يَقْبِضُهُ؛ وَلَعَلَّهُ يَطُولُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَجَوَّزَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْعَقَارِ أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْبَائِعِ” ]الذخيرة: [90/8]، ولكن لحاجة المشتري للسلعة مدة أجل السداد، والبائع لضمان الدين، أخذت أغلب هيئات الفتاوى والرقابة الشرعية في العالم الإسلامي بجواز بقاء الرهن بيد الراهن، ويعرف بالرهن الرسمي -المذكور في الصورة الأولى من السؤال- وهو أن يُرهن المبيع دون اشتراط الحيازة، مع نقل ملكيته للمشتري وتسليمه له، ولكن يكتب في عقده أنه يمنع من بيعه، أو يُحجز على أوراقه الرسمية، حتى يسدد كامل الدين، ويُفكّ الرهن، جاء في معيار المرابحة الشرعية الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية: “يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُبَ الْمُؤَسَّسَةُ مِنَ الْعَمِيلِ ضَمَانَاتٍ مَشْرُوعَةً فِي عَقْدِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ لِلْآمِرِ بِالشِّرَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ حُصُولُ الْمُؤَسَّسَةِ عَلَى كَفَالَةِ طَرَفٍ ثَالِثٍ، أَوْ رَهْنُ الْوَدِيعَةِ الاسْتِثْمَارِيَّةِ لِلْعَمِيلِ أَوْ رَهْنُ أَيِّ مَالٍ مَنْقُولٍ أَوْ عَقَارٍ، أَوْ رَهْنُ سِلْعَةِ مَحَلِّ الْعَقْدِ رَهْنًا ائْتِمَانيًّا رَسْمِيًّا دُونَ حِيَازَةٍ، أَوْ مَعَ الحِيَازَةِ لِلسِّلْعَةِ وَفَكِّ الرَّهْنِ تَدْرِيجِيًّا حَسَبَ نِسْبَةِ السَّدَادَ” [215.5/2].
وأما اشتراط المصرف عدم انتقال ملكية العقار للمشتري إلا بعد استيفاء الثمن، كما في الصورة الثانية من السؤال، فغير جائزة؛ لمنافاته أهم ما يقتضيه عقد البيع، وهو انتقال ملكية المبيع للمشتري، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (53/2/6): “لاَ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ الاحْتِفَاظُ بِمِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَهْنَ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ ِلضَمَانِ حَقِّهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَاطِ الْمُؤَجَّلَةِ”.
ولابد من التنبيه إلى وجوب تملك المصرف للعقار وحيازته له، قبل إجراء عقد البيع مع العميل، مع مراعاة أن الاتفاق على بيع العقار بين المصرف والعميل قبل تملك المصرف له، مجردُ مواعدةٍ غير ملزمة للطرفين، ولا يلزم العميل الشراء إلّا بعد تملك المصرف للعقار وإجراء العقد بين الطرفين، ويبقى كل منهما قبل ذلك على الخيار، والعقار في ضمان المصرف قبل إبرام العقدِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22//صفر//1444هـ
18//09//2022م