بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5104)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أرسلتُ لزوجتي رسالة نصية، كتبت فيها: (وعليَّ اليمين وتحرمي عليا ليوم الدين يا رانيا إنه معاد راجعين لبعض ولا عاد متسكر علينا باب حوش مع بعض)، فما الحكم؟ علما أني لم يسبق لي الطلاق، وأنها كانت حائضا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالطلاق يقع بكتابة لفظهِ، ولو لم يُتلفظ به، قال الدردير رحمه الله: “(وَبِالْكِتَابَةِ) لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا (عَازِمًا) عَلَى الطَّلَاقِ بِكِتَابَتِهِ، فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ كِتَابَةِ هِيَ طَالِقٌ” [الشرح الكبير: 384/2].
والطلاق المعلّق على شيء، كعدم السكنى في نفس المنزل، يقع إذا وقع المعلَّق عليه، فقد جاء عن نافع رحمه الله أنه قال: “طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ” [البخاري: 45/7].
ولفظ: “عليّ اليمين” ينصرفُ إلى الطلاقِ في عرفِ البلد، والطلاقُ بلفظ التحريم المختارُ فيه أنه يقعُ بائنًا بينونةً صغرى، وهو رواية عن مالكٍ رحمه الله، وقد جرى به العمل، قال القرطبي رحمه الله: “وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: (أَنْتِ عَليَّ حَرَامٌ) عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْلاً: … وَسَابِعُهَا: أَنَّـهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، قَالَهُ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُوَيْز مِندَاد عَنْ مَالِكٍ…” [تفسير القرطبي: 180/18]، ولفظ “ليوم الدين” لا يَصرِفُ الحرامَ إلى الثلاث وتأبيد التحريم إذا لم ينو به الثلاث؛ لأنّ الغالب أنه يجري على ألسنةِ الناس مجرى التأكيد، على معنى ألَّا يبقيها زوجة، وهذا حاصلٌ بالبينونة الصغرى، قال الوزاني رحمه الله: “فِي جَوَابٍ لِسَيِّدِي مُحَمَّد بنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِي أَنَّ لَفْظَ: أَبدًا وَعُمُرِي وَكَذَا عُمُرَكِ فِي: (لاَ كُنتِ لِي امْرَأَةً أَبَدًا) تَجْرِي كَثِيرًا مَجْرَى التَّوْكِيدِ فِي الْكَلَامِ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ لاَ يَتْرُكُهَا زَوْجَةً، بَلْ يُطَلِّقُهَا حَتْمًا مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الثَّلَاثَ فَيُعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ، وَفِي جَوَابٍ لِوَالِدِهِ الْإِمَامِ سَيِّدِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِي نَـقْلاً عَنْ جَوَابِ لِسَيِّدِي عَبْدِ اللهِ الْعَبْدُوسِي، وَعَنْ جَوَابٍ لِسَيِّدِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَاسِي، أَنَّ أَبَدًا لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الثَّلَاثِ” [المعيار الجديد:37/4].
وقال ابن هلال السجلماسي رحمه الله: “وَجَعَلَ الشَّيْخُ [يعني: أبا الحسن الزرويلي رحمه الله] قَوْلَهُ: حَتَّى لاَ تَحِلِّي لِي أَبَدًا، كَقَوْلِهِ: أَنتِ طَالِقٌ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْمُبَالَغَةِ بِالْغَايَةِ” [الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير: 189/1].
ومَن طَلَّق ثم حَرَّمَ، فإنه تلزمه طلقتان؛ الأولى رجعيةٌ، والثانية بائنةٌ، قال الوزاني رحمه الله: “إِنْ قَدَّمَ الحَـرَامَ تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَقَطْ دُونَ الطَّلاقِ؛ لِأَنّهُ لَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَقَطْ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ فَيَرْتَدِفُ عَلَيْهِ الحَرَامُ” [المعيار الجديد:17/4].
والطلاقُ في الحيضِ واقعٌ على مذهبِ جماهيرِ العلماء، مِن الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “أنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَـرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (لِيُرْجِعْهَا)، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: (فَمَهْ)؟” [البخاري:5449].
عليه؛ فإنْ أرجعَ الزوجُ زوجتَه للبيتِ، فإنّ الطلاقَ يقعُ، ويلزمه طلقتانِ، الثانية منهما التي بلفظ: “تحرمي عليَّ ليوم الدين” بائنةٌ بينونة صغرى إن لم ينوِ بها الثلاث، فلا يجوز له إرجاعُ زوجتهِ حينئذ إلَّا بعقدٍ جديدٍ، بصداقٍ وشاهدين، وعليه التنبهُ؛ لأنه إن طلقَ مرة أخرى، فإنّ زوجته تحرمُ عليه، ولا تحلُّ له حتى تنكحَ زوجًا غيره نكاح رغبةٍ، ثم يطلقَها أو يموتَ عنها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//رجب//1444هـ
05//02//2023م