طلب فتوى
الزكاةالشركةالعباداتالفتاوىالمعاملات

كيف تكون زكاة الأصول والديون في الشركات؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5103)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

شركة مقاولات عامة، نشاطها خدمي، يقوم على إنشاء المباني وصيانتها، فهل تجب الزكاة في رأسِ مالِ هذه الشركة، والأرباحِ الناشئة عنها، والأصولِ التي تملكها، والأرصدة المصرفية، والديون المضمونة والمشكوك في تحصيلها؟ وهل تزكى مصروفات الشركة؛ من مواد ومستلزمات تشغيل وأجرة يد عاملة؟ علما أن رأس مال الشركاء هو دينٌ لصالح غيرهم، ولم يتم سدادُه إلى الآن، وحصة كل واحد تزيدُ عن ثلاثين ألف دينار، وهم متفقون على إخراج الزكاة من مالِ الشركة.

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فشركة المقاولات التي تقوم على بناءِ المساكن ونحوها، وتتكلف اليد الصانعة والمعدات اللازمة للصنعة، وتأخذ ثمنًا نظير تسليم المبنى أو جزءٍ منه، على الوجه المطلوب في هذه الصناعة، حكمها في الزكاة حكم التاجر المدير؛ لأن الغالب في هذه الصنعة أن تكونَ مصحوبةً بمواد تشغيلية محسوسة، ستؤخذُ قيمتها قَطْعًا، مثل الخشب أو المسامير ومواد أخرى مستهلكة، قال الدسوقي رحمه الله: “ابْنُ عَاشِرٍ رحمه الله: الظَّاهِرُ أَنَّ أَرْبَابَ الصَّنَائِعِ كَالْحَاكَةِ وَالدَّبَّاغِينَ مُدِيرُونَ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ الْأَسْفَارِ الَّذِينَ يُجَهِّزُونَ الْأَمْتِعَة إِلَى الْبُلْدَانِ أَنَّهُمْ مُدِيرُونَ… وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيْ رحمه الله: فِي مَسْأَلَةِ الصَّانِعِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّاجِرِ الْمُدِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَصْنَعُ وَيَبِيعُ أَوْ يَعْرِضُ مَا صَنَعَهُ لِلْبَيْعِ فَيُقَوِّمُ كُلَّ عَامٍ مَا بِيَدِهِ مِنَ السِّلَعِ وَيُضِيفُ الْقِيمَةَ إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ النَّاضِّ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ إِنْ بَلَغَ نِصَاباً” [حاشية الدسوقي: 474/1]، ولذلك؛ فالواجبُ على مثل هذه الشركات في رأس العام، أن تقوّمَ ما لديها من المال، الذي تجب فيه الزكاة، ومنه قيمة المواد التشغيلية التي تحتفظ بها، وتزكّيه، وتضم إليها الأرصدة المصرفية، وكل ما لديها من أموال، حتى الأموال التي ستدفعها أجورا للعاملين، ما دامت لم تُدفع بعد، وتضم لذلك الديون المستحقة لها على غيرها، إن حل أجلُ الدين ورُجي سدادُه، وأما الديون المتعثرةُ فتزكى عند قبضها مرةً واحدةً، قال الدردير رحمه الله: “(وَإِلاَّ) يَرْصُدِ الْأَسْوَاقَ بِأَن كَانَ مُدِيراً وَهْوَ الَّذِي يَبِيعُ بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ وَيُخْلِفُهُ بِغَيْرِهِ كَأَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ (زَكَّى عَيْنَهُ) وَلَوْ حُلِيّاً (وَدَيْنَهُ) أَيْ عَدَدَهُ (النَّقْدَ الْحَالَّ الْمَرْجُوَّ) الْمُعَدَّ لِلنَّمَاءِ (وَإِلاَّ) يَكُنْ نَقْداً حَالاًّ بِأَنْ كَانَ عَرضاً أَو مُؤجَّلاً مَرْجُوَّيْنِ فَهْوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ النَّقْدَ الْحَالَّ فَقَطْ (قَوَّمَهُ) بِمَا يُبَاعُ بِهِ عَلَى الْمُفَلَّسِ الْعَرْضَ بِنَقْدٍ وَالنَّقْد بِعَرْضٍ ثُمَّ بِنَقْدٍ وَزَكَّى الْقِيمَةَ… (لاَ إِن لَمْ يَرْجُهُ) بِأَنْ كَانَ عَلَى مُعْدَمٍ أَوْ ظَالِمٍ فَلَا يُقَوِّمُهُ لِيُزَكِّيَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ قِيَاساً عَلَى الْعَيْنِ الضَّائِعَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ” [الشرح الكبير: 474/1].

وزكاة الشركات عمومًا لا تجبُ على الشركةِ، مِن حيث هي جهةٌ اعتباريةٌ، بل تجبُ في مالِ الشركاءِ كلٌّ على حسب حاله، من توفرِ شروطِ وجوبِ الزكاة مِن عدمها، ومنها بلوغ النصابِ وحلول الحول، قال البرادعي رحمه الله: “قَالَ مَالِكٌ: وَالشُّرَكَاءُ فِي كُلِّ حَبٍّ يُزَكَّى أَوْ تَمْرٍ أَوْ عِنَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ مِنْهِمْ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ زَكَاةٌ” [التهذيب في اختصار المدونة: 475/1].

أما الأصول غير المستهلكة في الصنعة التي يمتلكها الشركاء؛ كالآلات والسيارات، فهي أصولٌ ثابتةٌ، لا تجبُ فيها ولا في قِيمتها الزكاة؛ لأنّها غير معدّة للنماء، قال الدردير رحمه الله: “(وَلاَ تُقَوَّمُ الْأَوَانِي) الَّتِي تُدَارُ فِيهَا الْبَضَائِعُ وَلاَ الْآلاَتُ الَّتِي تُصْنَعُ بِهَا السِّلَعُ، وَكَذَا الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُهَا وَبَقَرُ الْحَرْثِ لِبَقَاءِ عَيْنِهَا فَأَشْبَهَتْ الْقِنْيَة إِلاَّ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا” [الشرح الكبير: 477/1].

وأما الديون المطلوبة على الشركاء في مثل هذه الشركات، فإن الشركاء لا يسقطونها من حصصهم عند إخراج الزكاة إن كان عند كل واحد منهم أموال لم تجب فيها الزكاةُ؛ كالأراضي والعقارات، تصل قيمتها إلى قيمة الديون، وإن لم يكنْ في هذه الأموالِ المملوكة للشريك التي لا تجب فيها الزكاة وفاءٌ بكلّ الديون، بل ببعضها فقط، فإنه يُسقط من المال الذي تجب فيه الزكاة قدرَ الدين الذي ليس له ما يغطيه من أملاكه التي لا تجب فيها الزكاة، أما قدر الدين المغطى بما يملكه من أصول وعقارات فإن الزكاة واجبة فيه ولا يُسقط مقداره مما وجبت زكاته من أمواله، هذه هي القاعدة عند علماء المالكية فيما تسقطه الديون من الزكاة وما لا تسقطه، قال الدسوقي رحمه الله: “لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعرُوضِ مَا يَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ كُتُبًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي تِلْكَ الْعَيْنَ” [حاشيته على الشرح الكبير: 459/1].

وهذا التفصيل فيما تجب زكاته في شركات المقاولات، جارٍ أيضا في كل الأنشطة المهنية والحرفية، مثل المصحات والعيادات والمؤسسات الصناعية والخدمية، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

14//رجب//1444هـ

05//02//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق