بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5389)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا رب أسرة، وليس لدي مرتب من الدولة، وقد تعرّضتُ لخسارة في تجارتي، ترتَّب عليها ديون في ذمتي، قدرها: 25 ألف دينار، والآن يطالبني الغرماء بأموالهم، ولا أستطيع السداد، وليس عندي ما يُباع لأسدِّد هذه الديون، وذهبتُ إلى صندوق الزكاة في منطقتي للنظر في مساعدتي، فكان الردّ أنّ الصندوق في الوقت الحالي لا يعطي الغارمين، بسبب ضعف الجبايات، وقد تحصّلتْ والدتي على مال من التأمين التجاري تعويضًا عن القتل الخطأ، ثمّ علمنا بعد ذلك أنّ التعويض المدفوع من قِبَل التأمين التجاري لا يجوز أخذه، ومَن أخذه فعليه أن يتخلص منه في مصالح المسلمين العامة، فهل يجوز لي أن آخذ من هذا المال قدرَ ما أسدد به ديوني؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ الواجب على المسلم أن لا يُقدِم على عملٍ حتى يعلم حكمَ الله فيه، فكان الواجب عليكم قبل أخذ التعويض من التأمين التجاري، أن تسألوا عن حكمه الشرعي.
وحكمه ما ذُكر لكم، من أنه ليس بطيب، ولا يجوز أخذ شيء منه؛ لاشتماله على الغرر الفاحش، ومَن أخذه فعليه أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة، قال القرافي رحمه الله: “الْأَمْوَالُ الْمُحَرَّمَةُ مِنَ الْغُصُوبِ وَغَيْرِهَا إِذَا عُلِمَتْ أَرْبَابُهَا رُدَّتْ إِلَيْهِمْ [يعني الأموال المغصوبة]، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ تصرف فِي مَصَارِفِهِ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنَ الْأَبْوَابِ وَالْأَشْخَاصِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الصَّارِفِ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ نُوَّابِهِ أَوْ مَنْ حَصَلَ ذَلِكَ عِنْدَهُ من الْمُسلمين” [الذخيرة: 6/28].
وقد فسّر الخرشي رحمه الله مصالحَ المسلمين ومثّل لها بقوله: “كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ” [شرح الخرشي على المختصر: 3/129].
وعليه؛ فلا حرج في أخذ المدين قدرَ ما يقضي به دَينَه من هذا المال، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07//جمادى الأولى//1445هـ
21//11//2023 م