طلب فتوى
البيعالغصب والتعديالفتاوىالمعاملات

حكم إخفاء معلومات في تقرير يخص محطات الوقود للمصلحة

ما هو السبيل للقضاء على جريمة تهريب الوقود؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5532)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جلُّ محطات الوقودِ عندنا في مدينة نالوت مقفلة؛ حيث يباعُ الوقودُ في السوق السوداء، والقليل من المحطات -التي منها محطتي- تعمل بشكل اعتيادي، وتبيع الوقود للناس بالسعر المدعوم، لكن الصهاريج المرسلة إلينا تصلنا ناقصة، ولا يمكنني ذكر ذلك في التقرير؛ لأنه سيؤدي إلى امتناع سائقي الشاحنات عن إيصال الوقود إلينا، مما يزيد من معاناة الناس، وهذا النقص في كمية الوقود لا يمكننا تحمله؛ لأنه سيكبدُنا خسائرَ كبيرة، فهل يجوز لنا أن نأخذ من كل شخص دينارًا واحدًا فقط عن كل تعبئة لخزان سيارته؛ لتغطية العجز؟ وهل يجوز لنا فعل ذلك وإن لم يكن عجز؛ لضعف المكسب المترتب عن تقطع إرسال الوقود إلينا؛ فهو لا يغطِّي نفقات الصيانة والكهرباء والعمال ونحو ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالواجبُ على المسلم الصدقُ وقول الحقِّ، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾ [التوبة: 119] وتحصيل الحقوقِ لا يكون بالتحايُل؛ فيجبُ على صاحب المحطة أن يذكرَ في التقرير الكمية المرسلةَ إليه حقيقةً، وأنَّ ما يصله من وقودٍ هو أقلُّ من الكمية التي اشتراها، وإنْ أدَّى ذلك إلى انقطاعِ الوقود عن محطته، فهو ليس مسئولًا عن ذلك، وإنما هو مسئولٌ عما يكتبهُ في التقرير، وإنْ كتبَ في التقرير بياناتٍ غيرَ صحيحةٍ فقد أعانَ سراقَ الوقود ومهربيه على سرقتهم، فهم لصوصٌ، يجب كشفهم وملاحقُتهم والضربُ على أيديهم، لا التستر عليهم، وعملهم مِن الحرابةِ وقطعِ الطريق والفسادِ في الأرض، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ ‌تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [المائدة: 33]، والتستر عليهم من التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى:﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: 2].

ولا يجوز لصاحب محطة الوقود أن يأخذ دينارًا من كل صاحب سيارةٍ يملأ خزانها من المحطة؛ لأنه أكلٌ للمال بالباطل، من غيرِ وجهِ حق، وهو ليس حلًّا للمشكلة، بل هو إقرارٌ وتعايشٌ مع واقع غير سويٍّ، يجب ألا يستمرَّ، والواجبُ على كل متضررٍ من انقطاع أو نقص الوقود عن المدينة، السعيُ لتحصيل هذا الحقِّ المهدَر بكل وسيلةٍ شرعية ممكنةٍ.

ويجبُ أنْ يعلمَ المواطنونَ؛ أنه لا سبيلَ للحدِّ من جرائمِ التهريبِ إلَّا برفعِ الدعم عن الوقودِ، واستبدالِه بدفعِ قيمته إلى المواطنينَ في جيوبهم، وبذلك يكونونَ قد استفادُوا فعلًا مِن الدعم، لا أنْ يعارضُوا الجهاتِ المختصةَ كلما حاولتِ الاقترابَ مِن رفعِ الدعم لتحميَ لهم حقوقَهم وأموالَهم، ويصطفُّوا مع المهربينَ، ويقفُوا في وجهِ الحكومة، التي تحاولُ أن تستردَّ لهم حقوقَهم المنهوبةَ.

وهكذا نَرى الناسَ يشكُونَ من التهريبِ وانقطاعِ الوقودِ عليهم، ويعترضونَ على حلِّ المشكلةِ من جذورها، برفعِ الدّعمِ وإيداعِ الأموالِ في حساباتهم، فهُم كمن يُقاد إلى الجنّةِ بالسلاسِلِ.

ويجبُ على الجهات المختصة في الدولة – كالداخلية – أن تمنعَ أصحاب المحطات من بيع الوقود لمن يتجرُ فيه، ومِن بيع كمياتٍ كبيرة من الوقود لشخصٍ واحدٍ، تزيد عن حاجته، وأن تكون هذه الجهات في مراقبةٍ دائمة لذلك، بإجراءات صارمة ذات عقوباتٍ رادعة؛ منعًا للفساد، ومن وُجد يتاجر في الوقود متاجرةً محرمةً على نحو ما تقدمَ، أو اشترى منه كمياتٍ كبيرةً يضيّقُ بشرائها على الناس، فإنه يؤخذُ منه بلا ثمنٍ عقوبةً له، من بابِ التعزير، ويباعُ للناسِ بالسعر المحدّد من الدولة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

19//شعبان//1445هـ

29//02//2024م  

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق