طلب فتوى
البيعالفتاوىالمعاملاتقضايا معاصرة

تسعير البضاعة المستوردة باعتماد بسعر العملة في السوق الموازي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5591)

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أنا مديرٌ تنفيذيّ لشركةِ أدويةٍ طبية، تحصلتِ الشركةُ التي أديرُها على اعتمادٍ مستنَديٍّ من مصرف ليبيا المركزي، لاستيرادِ الأدويةِ، في شهرِ ديسمبر الماضي، وبعد وصولِ البضاعةِ قررَ صاحبُ الشركة تسعيرَها حسَب سعر السوقِ السوداءِ لليورو، بما يعادلُ (8.30) دينارًا ليبيًّا لليورو الواحد، علمًا أنَّ سعرَ اليورو بالاعتمادِ هو (5.30) دينارًا ليبيا، ويتحجَّجُ صاحبُ الشركةِ بأنه لا توجدُ اشتراطاتٌ للسعرِ من المصرفِ المركزي، وأنه قد لا يتحصلُ على اعتماداتٍ أخرى في المستقبل؛ نظرًا لظروف البلاد، وبالتالي سيضطرُّ إلى شراءِ اليورو من السوق السوداء، وسيسببُ ذلك له خسارةً واضحةً، فهل يجوزُ له فعلُ هذا الأمر؟ مع العلم أنّ الاعتماداتِ كانت محصورةً في الأغذيةِ والأدويةِ، عندما تحصلتِ الشركة على الاعتماد، وما حكمُ العمل مع المالك في الشركة؟ وهل بيع هذه البضاعة بالآجل لفتراتٍ قد تصل إلى شهرينِ، يعطيهِ الحقَّ في تسعيرها حسَب سعر السوق السوداء؟ وما هو الهامش الربحيّ الذي يمكن اعتمادُه في هذا الحالةِ، حتى لا نقعَ في الحرام؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنه في حالِ حصولِ التاجر على اعتمادٍ بشراء العملة الأجنبية بسعرٍ مخفضٍ عن السوق، فليس له الحقُّ في أن يسعرَ البضاعةَ على سعرِ السوقِ المرتفعِ، الذي يزيدُ زيادةً كبيرةً على سعرِ الاعتماد، وهذه الزيادةُ -حسبما وردَ في السؤالِ- ثلاثةُ ديناراتٍ على اليورو الواحد؛ وذلك لكونِ البضاعة مسعرةً مسبقًا من وزارةِ الاقتصاد، بدليلِ أنّ التاجرَ لا يستخرجُ البضاعةَ من الميناء حتى يأتيَ بتسعيرةٍ من وزارة الاقتصاد؛ ولأنّ الغرضَ من هذه الاعتماداتِ هو الرّفقُ بالعامةِ وتخفيفُ معاناتِهم، وتوفيرُ السلع والحاجياتِ لهم بالسعرِ الذي لا يُرهقُهم، فلا يجوزُ للتجار مخالفةُ الشروطِ التي وُضعتْ لهم، فقد قالَ النبي صلى الله عليه وسلم: (المـُسْلِمُونَ عِندَ شُرُوطِهِمْ، إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) [أبوداود:3594].

وقولُ التاجر: إنه إنما يفعلُ ذلكَ لأنهُ قد لا يتحصلُ على اعتمادٍ آخر، ويضطرُّ إلى شراءِ العملةِ حينها بالسعرِ المرتفعِ؛ فتترتبُ عليه خسارةٌ، كلام مردود عليه؛ لأنّ الواجبَ عليه أن يسعرَ كلَّ بضاعةٍ استوردها وفقًا لسعرِ الشراء، فما اشتراهُ بالسعرِ المخفضِ يجبُ أن يسعرَه على السعرِ المخفضِ، وما اشتراهُ بعد ذلكَ بالسعر المرتفعِ له أن يسعرَه طبقًا للسعرِ المرتفع، فهذا هو العدلُ الذي يأمرُ به الله، وما عداهُ عدوانٌ وظلمٌ، واستغلالٌ لحاجات الناس، وتسلطٌ على أخذِ أموالهم بالحيلِ والمكرِ والخداعِ والكذب، وفي البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ) [صحيح البخاري: 3/69]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي ‌النَّارِ) [صحيح بن حبان:2684].

أما فيما يتعلقُ بنسبة الربح المأذونِ بها، فهي ما تحددُهُ وزارةُ الاقتصادِ، أو الجهة المسؤولةُ إنْ وُجدت، فإن لم يوجدْ تحديدٌ للسعر مِن هذه الجهاتِ، فينبغي أنْ يكونَ الربحُ في حدودِ النسبة المعتادةِ للربح بين التجار، كما هو الحالُ في البضائعِ التي لم تُجلبْ عن طريقِ الاعتمادات.

أما الموظفُ في شركةِ الأدوية المذكورةِ في السؤال، فلا حرجَ عليه في العملِ مع هذه الشركةِ، إذا لم يجد عملًا آخر، وإذا وجدَ عملا آخر، وصاحبُ الشركة لم يراجعْ نفسه، واستمرَّ على ما هو عليه، فالأَوْلى له أن يتركَه، ويعملَ مع مَن يخافُ الله ويتّقِيه.

وبيعُ البضاعة بالآجلِ لا يبيحُ لصاحبِ الشركةِ تسعيرَها بسعرِ السوقِ الموازية، واللهُ أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن بن حسين قدوع

عصام بن علي الخمري

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

13/شوال/1445هـ

22//04//2024م 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق