طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبةالوقف

وصية لوارث وحرمان من الميراث ووقف منفعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5632)

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أوصى (م) بتقسيم تركته من العقارات بعد موته، على نحوٍ ذكره في البند الرابع من الوصية المرفقة، بين ورثته الشرعيين: زوجته، وبناته الثماني، وأبنائه الثلاثة، وذكر في البند الثامن أن ابنه (ع) لا يرثُ شيئًا في منزل العائلة بحي الأندلس؛ لحصوله على تعويض سابق، وفي البند التاسع أن المنزل الكائن بحي السراج يخصصُ للإيجار، ويستقطع نصف ريعه بعد خصم تكاليف الصيانة ونحوها صدقةً جارية، فما حكم هذه الوصية؟ علمًا أنّ أحد الأبناء ساهم بنصف ثمن الأرض التي بُنيَ عليها المنزل الموقوفُ نصفُه، وساهم ابنٌ آخر في بناء المنزل بعد ذلك، وأنَّ بعضَ البنات في حاجة ماسةٍ لأخذ نصيبهن من التركة.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فما دفعه الأبناء لأبيهم مساعدةً له في شراء أرضٍ ثم بناء منزل عليها، يجوز لهم استرجاعُه إن لم يكن عن طيبِ نفس منهم، قال ابنُ لب رحمه الله: “وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّدَقَةِ إذَا طُلِبَتْ مِنَ الْمُتَصَدِّقِ، وَفُهِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَعْطَاهَا حَيَاءً وَخَجَلًا لَا عَنْ طِيبِ النَّفْسِ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ ‌‌‌‌السَّلْجِمَاسِيِّ ‌عَلَى ‌الْعَمَلِيَّاتِ” [منح الجليل: 279/2].

ثم إن ما أوصى به الأب من تقسيم تركته من العقارات، على النحو الذي ذكره في الوثيقة المرفقة، هو وصيةٌ لوارث، وهي وصيةٌ باطلة، لا تنفذ إلا بموافقة جميع الورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) [أبوداود: 2870]، قال الإمام مالك رحمه الله: “لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، إِلاَّ أَن يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ” [الموطأ: 503].

ولا يحق للأب أن يوصيَ بمنع أحد الورثة من تركته بعد موته، لهبته إياه شيئًا حال حياته؛ لأن الهبة بشرطِ عدم الميراثِ باطلةٌ، إنْ كان الشرط مقارنًا للهبة أو وثيقتها، وإن تأخر الشرطُ عن أصل الصدقة فالشرطُ باطلٌ دون الصدقةِ، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُون: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنْ قَطَعَ بِهَا مِيرَاثَهُ مِنْهُ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الصَّدَقَةِ، فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِن اسْتَثْنَى ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ” [النوادر والزيادات: 12/219].

والوصية بوقف منفعة جزء مشتركٍ من عقار مشاعٍ لم يُقسمْ جائزةٌ؛ لأن وقف المنفعة كوقف الذات، قال الدردير رحمه الله: “(صَحَّ) … (وَقْفُ مَمْلُوكٍ) … (وَإِنْ) … (بِأُجْرَةٍ) لِكَدَارٍ اسْتَأْجَرَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَهُ وَقْفُ مَنْفَعَتِهَا” [الشرح الكبير: 4/75-76]، وجاء في المعيار: “وَسُئِلَ عَمَّنْ حَبَّسَ حِصَّةً مِنْ دَارٍ، فَأَجَابَ: إِنْ كَانَتْ تُقَسَّمُ قُسِّمَتْ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقَسَّمُ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُون أَنَّ جَمِيعَ الرّبْعِ يُبَاعُ وَيُبْتَاعُ مِنْ ثَمَنِ نَصِيبِ الْحُبُسِ عِوَضَهُ حُبُساً” [المعيار: 7 / 446].

عليه؛ فالوصية للورثة باطلة، ولا يُعملُ بها فيما يتعلَّق بتحديد نصيب كل وارثٍ من منزل العائلةِ، إلا إذا أجازها الورثة، ولا يعملُ بها كذلك فيما يتعلق بمنع الابن من الميراث في منزلِ العائلة، أما فيما يتعلق بالصدقة الجاريةِ؛ فيجب العمل بها، ووقفُ نصف ريع المنزل بحي السراج صحيحٌ، إن كانت قيمته ثلث التركة فأقل، ويُباعُ المنزل إذا أرادَ أحد الورثة ذلك، ويُجبر البقية على البيع، فإذا بيع اشتُري بنصف ثمنه عقارٌ آخر، يجعل صدقةً جاريةً، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

13//ذو القعدة//1445هـ

21//05//2024م  

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق