حكم عدم تعويض الدولة الملاك في أملاكهم بعد نزع ملكيتها في توسعة الطرق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5639)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن ورثة م، نملك أرضًا مساحتها 544 مترًا مربعًا، أُقيمَ عليها مبنًى مكونٌ مِن ثلاثة طوابقَ ومبنًى من طابقينِ، وتحصلنا سنة 2021م على إفادة من مصلحة التخطيط العمرانيّ، بأنّ العقار لا يتعارضُ مع المخططِ المعتمَد، لكن في سنة 2024 طُلب منّا إخلاءُ العقار؛ لأن المبنى ذا الطابقينِ، وجزءًا من الأرض والمبنَى ذا الثلاثةِ طوابقَ، واقعٌ في مسارِ الطريقِ الدائري الثالث، وطلبوا منا التواصلَ مع لجنة فتحِ المساراتِ؛ لاستكماِل إجراءاتِ التعويضِ، كي تتمكنَ الجهةُ المنفذة للمشروع من البدء في العمل، لكنْ تفاجئنا بالشروعِ في الهدمِ والإزالةِ، بعد إعطائنا مهلة 72 ساعةً فقط، ونتج عن ذلك اقتطاعُ جزء من الأرض، وإزالةُ المبنى ذي الطابقينِ بالكلية، وجزءٍ من المبنى ذي الثلاثةِ طوابقَ، بحيث نقصَ في كل طابق مرافقُ مهمة؛ كالحمام والمطبخ، ولم نتحصلْ على تعويضٍ حتى الآن، فما حكم الشرع في هذا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا يجوزُ للدولة أخذُ شيءٍ من أملاك الناسِ بغير وجهِ حقّ، كما لا يحق لها إجبارُهم على بيعها لغير ضرورةٍ، ومصلحةٍ عامّة ملحةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ﴾ [البقرة: 188]، فإذا وُجدت المصلحةُ، وكانت عامةً ملحةً، جاز للدولة أخذُ أملاك الناسِ مقابلَ تعويضِهم بثمنِ الوقت، وذلك بإبرام عقدِ بيعٍ بين الدولة والمالك.
وإذا أُبْرِم عقد البيعِ بين الطرفين، ورضي المالكُ به، وكان بثمنِ الوقت، لم يجُزْ للمالك أن يطالبَ بشيء بعد ذلك، حتى لو غَلَتِ الأملاكُ وارتفعت أسعارُها فيما بعد، أما إذا كان العوضُ المدفوع أقلَّ من ثمنِ الوقتِ عند أخذِ الأرض منه، ولم يرضَ به المالكُ حينها، أو لم تَدفع له الدولة شيئًا على الإطلاق، ففعلُ الدولةِ حينها تعَدٍّ وغصبٌ، لا يثبتُ به حقّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْق ظَالِم حَقٌّ) [أبوداود:3075]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ) [مسلم:1610]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي: 11545].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، وأن الورثة لم يأخذوا عوضًا عن العقار وقت إزالته، وكان الملك مقدسا لأصحابه فلا يجوز للقائمين على فتح المسارات، أخذُ شيءٍ من أملاكهم في مسار الطريق، إلا بعد تعويضِهم بسعر الوقت، والعقوبةُ المتوعد بها في حالة الظلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ)، واقعةٌ على الآمرِ من المسؤولينَ بتنفيذ هذه المشاريع، وعلى المباشرين المسؤولين على فتحِ المسارات، فالآمرُ والمباشرُ شريكان، ولا يستطيع المباشرُ أن يقول أنا عبد مأمور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المـَعْرُوفِ) [مسلم:1840]، فيجب على القائمين على فتح المسارات الكَفُّ، حتى يتحققوا من أنَّ أصحاب الأملاك قبضُوا تعويضاتهم بسعر الوقتِ، دونَ بخس، ومِن حقّ المالك الذي لم يعوَّض، المطالبةُ بحقّه في التعويض، واتباع السبلِ القانونية للحصولِ عليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//ذو القعدة//1445هـ
27//05//2024م