حكم التصرف في المزارع المملوكة للدولة المخصصة بعقود الانتفاع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5653)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
خصصت لي الدولة في العهد السابق مزرعة من المزارع التي قسَّمتْها ووزعتها على العسكريين، منتسبي الشعب المسلح، بعقود انتفاع، ولم أكن من هؤلاء العسكريين، ولم أعلم بأمر التخصيص إلا بعد تمامه، ولا تزال قطعة الأرض كما هي منذ عشرين سنة، فلم أستغلَّها بأي شكل من الأشكال، فهل هذا التخصيص جائز؟ وهل يجوز لي تملكها أو الاستفادة منها؟ وإن كان غير جائز فكيف أتصرف فيها؟ علما أن الجهة المانحة “لواء الردع” غير موجودة الآن، ولا يُعرَفُ لهذه الأرض مالك، ولا كونها مغصوبة أم غير مغصوبة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الواجبَ التحري في معرفة أصحابِ الأرضِ الأصليين، قبلَ تَمَلُّكِ الدولة للأرض، والتثبتُ مِن حالها، بسؤالِ السكانِ القدامى في المنطقة، التي توجد بها الأرض، فإن كانت الأرضُ مواتًا، لم يسبق لأحد تملّكها على وجهٍ مشروع، فأحيتها الدولة، أو تملّكتها بالشراء من أصحابها، وقد عوضتهم التعويضَ المجزئ، فما جرى فيها من التخصيص مِن قبل الدولة نافذٌ، فيمَن خصصتها لهم من الفئات إذا كان مستوفيا للشروط المطلوبة للتخصيص، إذ يجوز للدولة أن تُقطع ما تملكه من الأراضي لبعضِ الناس، بغرض الانتفاع أو التمليك، قال الدردير رحمه الله: “فَإِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ أَرْضًا لِأَحَدٍ؛ مَلَكَهَا أَيْ: كَانَتْ مِلْكًا لَهُ… فَلَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتُورَثُ عَنْهُ” [الشرح الصغير: 4/87].
وإن كانت الأرض مملوكة لبعض الناس، وقد غصبتها منهم الدولة، ولم تدفع إليهم التعويض المجزئ؛ ثم خصصتها لغير أصحابها؛ فلا يجوز التصرف في الأرض بالبيع وغيره؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، والواجبُ ردُّها لأصحابها، أو أخذُها منهم بالتراضي على ثمنها إنْ رغبوا في بيعها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) [أبو داود: 2073]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي: 5492].
وعليه؛ فالواجب أولا على السائل أن يسأل السكان الأصليين بالمكان الذي به قطعة الأرض ليعلم المالك لها، وهذا في العادة لا يخفى عن الناس، ويجب إذا عرفهم أن يرد الأرض إلى مالكها أو ورثته، ولو افترضنا أن الأرض ليست مملوكة لأحد، بل كانت مواتا استصلحتها الدولة، فلا يجوز للسائل تملكها؛ لفقد شرط التمليك، حيث إنها مخصصة للعسكريين، وهو لم يكن منهم، وفي هذه الحالة يجب عليه ردها إلى الدولة، وفق الإجراءاتِ والقوانين المعمول بها، فإن تعذرَ ردها؛ فينبغي استغلالُها وصرفُ رِيعِها في مصالح المسلمين العامة، في رصفِ الطرق، وصيانةِ المدارس، وتعليمِ العلوم الشرعية، وعلى الفقراء والمحتاجين، والتصرّفُ فيها يكون بنظرِ مَن له الاختصاصُ في ذلكَ الموضع، كالمجلسِ البلديّ، أو جماعةِ المسلمين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26//ذو القعدة//1445هـ
03//06//2024م