التنازل بالإكراه غير نافذ شرعا ولا يعتد به
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1168)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
اشترى أبناء (ف) وهم: (م)، و(ع)، و(س) أرضا، ثم توفي (م) وخلف أبناء، ثم توفي (ع) ولم يخلف أبناء، وورثته زوجته وأخوه (س)، فأصبح نصيب (م) ابن (ف) الثلث، وثلثين لـ(س) بعد فرز نصيب الزوجة، قام أبناء ورثة (س) بإظهار حدود الأرض كاملة، تمييزا لها عن أراضي الآخرين من جيرانهم، دون قصد القسمة، فاشتكت عائلة (م) بشكوى ضدهم، وتم إيقاف بعضهم وساوموهم، فتدخل بعض المصلحين لحل النزاع، مما أدى إلى شروط مجحفة وقعوا عليها في السجن؛ منها أن تتم قسمة الأرض مناصفة، فهل يجوز شرعا أن تتم المقاسمة بالإجبار، ويُؤخذ نصيب الآخرين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمن شروط صحة التنازل عن الحق أن يكون المتنازل بالغا رشيدا، في حال صحته، مختارا بطيب نفس منه، فإذا تنازل عن حقه أو بعضه مكرها إكراها معتبرا شرعا؛ كإكراه بحبس أو قتل أو ضرب مؤلم وغيره، فلا يصح تنازله، قال ابن أبي زيد: “قال مالك: إكراه السلطان وغيره إكراه، والتهديد بالقتل أو الضرب أو بالسجن أو بالقيد إكراه، وليس في الضرب ولا في السجن توقيت، وإنما هو ما كان يؤلم من الضرب، وما كان من السجن يدخل منه الضيق على المكره، قل ذلك أو كثر”[النوادر والزيادات:249/10]، وإذا زال الإكراه عن المكره فله الحق في إمضاء تصرفاته التي وقعت حال الإكراه، وله الحق بفسخ هذه التصرفات واسترداد ملكه، فإذا أمضى هذه التصرفات كان ذلك إجازة منه في إسقاط حقه في الفسخ، وإن طالب بها يجب إرجاع حقه له، وعليه فإذا كان الحال كما ذكرت، بأن تنازل بعض الورثة عن حقهم بسبب الإكراه؛ فتتنازلهم غير نافذ شرعا ولا يعتد به، ولهم الحق في استرداد حقوقهم والقسمة حسب الفريضة الشرعية، ثم إن هذا التنازل وقع من بعض الورثة، وجميع الورثة لهم الحق فيها، وهذا الحق يكون بقدر نصيب كلّ منهم من أصل التركة، ولا يكون التنازل إلا برضا الجميع، ومن تنازل فإنما يتنازل عن نصيبه، فإذا أمضى المتنازل في حال الإكراه تنازله بعد زوال الإكراه عنه، فإن تنازله واقع في نصيبه قدر حصته، دون نصيب باقي الورثة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11/جمادى الآخرة/1434هـ
2013/4/22