طلب فتوى
الإجارةالشركةالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصايا

البناء في ملك الغير بإذنه

حكم استغلال بعض الورثة للتركة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3901)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

يملكُ والدي مسكنًا أرضيًّا، مقام على أرضٍ مساحتها (765م2)، قام أربعةٌ مِن إخوتي – بموافقة والدي وبمالهم الخاصّ – ببناءِ عمارتين عليها، حيث تزوجَ وأقام كلٌّ منهم في العمارتينِ إلى هذا التاريخ، ثم توفي والدي رحمه الله سنة (2008م)، وعندما أرادَ الورثةُ بيعَ الأرضِ المذكورةِ وما عليها، استشكلوا الآتي:

هل يحقُّ للأولاد الأربعة المطالبة بثمن بناء العمارات التي بنوها بمالِهم، وسكنوا فيها طيلةَ الفترة الماضية؟ وهل يحق للولدِ الذي لم يبنِ أيّ بناءٍ على هذه الأرض والبنات الخمسة مطالبةُ الأولاد المقيمين في الأرض بإيجارها في الفترة بعد (2008م)، وحتى هذا التاريخ؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن مَن بَنى بإذنِ المالك وعلمِه استحق قيمة بنائِهِ قائمًا، قال القرافي رحمه الله: “قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: كُلُّ مَنْ بَنَى بِإِذْنِكَ أَوْ عِلْمِكَ فَلَمْ تَمْنَعْهُ وَلَا أَنْكَرَت عَلَيْهِ فَلهُ قِيمَته قَائِماً كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ” [الذخيرة: 6/213]، وتقدر القيمة وقت الحكم، ومثله وقت المطالبة والقسم في هذه الحالة، قال الدّردير رحمه الله: “(وَإِنْ بَنَى) ذُو الشُّبْهَةِ (أَوْ غَرَسَ) فَاسْتُحِقَّ (قِيلَ لِلْمَالِكِ) الَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ: (ادْفَعْ قِيمَتَهُ قَائِمًا) مُنْفَرِدًا عَنِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ بَنَاهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ (فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْبَانِي: ادْفَعْ) لِمُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ (قِيمَةَ الْأَرْضِ) بَرَاحًا (فَإِنْ أَبَى) أَيْضاً (فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ) هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ بَرَاحًا، وَهَذَا بِقِيمَةِ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ قَائِماً (يَوْمَ الْحُكْمِ) لاَ يَوْمِ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ” [الشرح الصغير: 3/622].

عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فيكون بيع العقارين المذكورين كالآتي: ينظر لقيمة الأرض بيضاء كم تساوي، ولقيمتها بالبناء كم تساوي، ويعطى مَن بَنى ما زاده البناء على قيمة الأرضِ بيضاء، ثم تقتسمون قيمة الأرض بينكم على الفريضة الشرعية، وأما استغلالهم للأرض طيلة الفترة الماضية، فإن كان على مرأى ومسمع الورثة وسكتوا؛ فلا حق لهم في الكراءِ، خصوصًا أنّ الزمنَ طالَ على ذلك، وإن كانوا غائبين ولم يعلموا فلهم كراءُ الأرض بيضاء، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَرَوَى عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إِخْوَةٍ وَرِثُوا مَنْزِلاً فَيَعْمَلُ أَحَدُهُمْ فِي الْأَرْضِ أَوِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَنَا أَوْ يَغْرِس، فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ مَالِكٌ وَزَادَ: فَإِنِ اسْتَغَلَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً قَبْلَ الْقَسْمِ، قَالَ: إِنْ كَانُوا حُضُوراً فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَن لَوْ أَذِنُوا لَهُ، وَإِنْ كَانُوا غُيَّباً فَلَهُمْ بِقَدْرِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ، وَعَلَيْهِ لَهُمْ مَا يَنُوبُهُمْ صَارَتْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ” [النوادر والزيادات: 10/347]، قال ميارة رحمه الله: “(قَالَ فِي الْمُفِيدِ) قَالَ مُطَرِّفٌ: مَنْ أُحْدِثَ فِي مَالِهِ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، فَإِنْ تَرَكَ حَتَّى طَالَ ذَلِكَ، فَلَا حَقَّ لَهُ وَلَا حُجَّةَ لَا فِيمَا بِيعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا فِي ثَمَنِهِ وَلَا فِيمَا وُهِبَ” [الإتقان والإحكام شرح التحفة الحكام:2/10]، وقال التسولي رحمه الله: “مَا يُعْلَمُ بِمُسْتَقَرِّ الْعَادَةِ أَنَّ أَحَداً لاَ يَسْكُتُ عَنْهُ إِلاَّ بِرِضاً مِنْهُ، فَيَكُونُ إِذْناً وَرِضاً” [البهجة شرح التحفة: 5/64]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

عبد الدائم بن سليم الشوماني

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

14/شوال/1440هـ

17/06/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق