طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوىالنكاح

الطلاق في النكاح المختلف فيه تَبينُ به الزوجةُ بينونةً صغرى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5204)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

بعد زواجي بشهرٍ، لاحظتُ أن زوجتي مدمنةٌ على الهاتف، والاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي، فقلت لها: (أنت تحرمين علي إذا استخدمتي الهاتف ودخلتي على الشبكة والتّصفّح فيها)، وحصل منها ذلك، فاستفتيتُ، فقيل لي: قل أرجعت زوجتي واحتُسِبَتْ طلقة، ففعلت، وبعد مضي شهرين لاحظتُ أنها عادت إلى سابق عهدها، فناقشتها، فأقسمتْ على المصحفِ ألا تعود لذلك، وبعد مدةٍ فتحتِ الشبكةَ، وعندما علمتُ قلت لها: أنت طالق، عبر الهاتف المحمول، لأني كنت مسافرًا، وعندما رجعت وجدتها حاملًا، فاستفتيتُ، فقيل لي: طلقة رجعية، فراجعتها، ثم طلبتِ الذهابَ إلى أمها لتكونَ تحت رعايتها، وبعد فترة قالت لي: إما أن تفعل ما أطلبُه منك أو تطلقني، فرفضتُ طلاقها، ثم جاءني زوجُ أختها ليخبرني أن والديها يريدانِ مني تطليقها، فقلت له: هي طالق، ثم تبين كذبُهُ، فهل يمكنني إرجاعها الآن؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالطلاق المعلّق بلفظ: “أنتِ تحرمين إذا فعلت كذا”، يقع بحصول المعلّق عليه بائنًا بينونةً صغرى على المختار، وهو رواية عن مالك رحمه الله، قال القرطبي رحمه الله: “وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: “أَنْتِ عَليَّ حَرَامٌ” عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْلاً: … وَسَابِعُهَا: أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُوَيْز مِنْدَاد عَنْ مَالِكٍ…” [الجامع لأحكام القرآن: 180/18]، وسئِلَ الْمَوَّاقُ عَمَّن قَالَ لِزَوْجَتِه أَنْتِ علَيَّ حَرَامٌ: مَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: “فَنَحْنُ نُفْتِي بِالْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا إِنْ كَانَ نَوَى الثَّلَاثَ” [المعيار المعرب: 244/4]، وعلى ذلك؛ فكان الواجب عليك في مراجعتها أن تعقدَ عليها كأنها أجنبية منكَ، بصداقٍ وشاهدَين.

أمّا الطّلاق الثّاني الواقع بعد مراجعتها باللّفظ دون عقد، مقلّدًا من أفتاك بذلك، فيقع؛ مراعاةً للخلافِ في هذه المسألةِ، واحتِيَاطًا لِلفُرُوجِ؛ ويعتبر كالطلاق في النكاح المختلف فيه، تَبينُ به الزوجةُ منك بينونةً صغرى، قَالَ الْأَمِيرُ رحمه الله: “وَهُنَا ‌مُهِمَّةٌ، وَهْوَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعْ عَلَى الشخْصِ الْحَرَام، فَيُرَاجِعْها عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيْ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا… فَإِنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيْ، صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَتقَدَّم أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْحَقُ فِيهِ، بَلْ وَلَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ، فَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِى لُحُوقَ الطَّلَاقِ؛ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الشَّافِعِيْ: إِنَّهُ رَجْعِي، مَعَ قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْجِمَاعَ يَكُونُ رَجْعَةً مِن غَيْرِ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَهْوَ قَوْلٌ عِندَنَا أَيْضًا، كيفَ وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: الْحَرَامُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ عِصْمَتِهِ، غَايَتُهُ يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ” [ضوء الشموع: 416/2]، ولا يفيد ترجيعها باللفظ في الطلاق الثاني الذي وقع عليها وهي حامل؛ لأنّه طلاق بائن يحتاج إلى عقد جديد بصداق وشاهدين؛ ولأن هذا الطلاق الثاني طلاق بائن فالطلقة الثالثة غير واقعة؛ إذ لم تصادف عصمة تقع عليها.

وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فيجوز لك إرجاع زوجتك بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ وشاهدَين، بعد أن تستبرئها مِن الماء الفاسد، وَتُحْتَسَبُ الطَّلقَتَانِ عَلَيكَ؛ فَلَمْ يَبْقَ لك إلا طلقةٌ واحدة، وبعدها تَبينُ الزوجةُ منك بينونةً كبرى، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//ذو القعدة//1444هـ

05//06//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق