طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

تحبيس على الذكور دون الإناث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4425)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة تحبيس ما نصه: “لما أن كان الحبس من نوافل الخيرات، ومُرغّبا فيه، ومختصا بهذا الأمة، ولم يُحَّبس في الجاهلية، وإنما حُبِّس في الإسلام، وقد صدر من بعض الصحابة والسلف الصالح، أشهدنا على نفسه سيدي م غ ف، أنه حبس وأبد ووقف – رغبة في ثواب الآخرة، واقتداء بالصحابة والسلف – على ولديه لصلبه، وهما: سيدي خ، وسيدي ح، على السواء بينهما والاعتدال، جميعَ ما على ملكه ببلد زليتن بالفواتير وغيرها، وبباديتها، من العقار بجميع أنواعه من أرض، وشجر، ودور، وأرض بادية، فمن ذلك …. حبَّسَ المحبس المذكور جميع ما ذكر وحُدِّد على وصف ما ذكر أعلاه، على ابنيه المذكورين أعلاه، وعلى أعقابهم وأعقاب أعقابهم من الذكور خاصة، ما تناسلوا وامتد فرعهم في الإسلام، لا يشارك أب أباه، ولا يحجب أصل فرعه، ومن مات منهم تنزل بنوه الذكور واحدا وأكثر منزلته، واستحقوا من غلة الحبس ما كان يستحقه، ومن مات منهم ولم يخلف أبناء ذكورا رجع لأخيه شقيقِه، فإن لم يكن له شقيق فلأخيه من الأب، هكذا حكمهم في كل طبقة ودرجة، فإن انقرضوا من عند آخرهم رجع لأقرب الناس إليهم يوم المرجع، وجعل بينهما القسمة البتة، واستثنى لنفسه ثلث غلة ما ذكر، يستغله ما دام حيا، فإذا مات لحق بالحبس وجرى مجراه، وانطبق عليه رسمه ومعناه، وأذن لابنيه المذكورين في قبول ما حبَّس عليهما كما ذكر، وحوزِه لهما وللعقب والمرجع، فقبلا منه ما ذكر أعلاه، لهما وللعقب والمرجع، وحازا ما ذكر أعلاه، على الوصف المبين أعلاه، وللعقبِ والمرجع، حوزا معتبرا، بالتطوف على الأرض، بل بالتطوف على المحبَّس، بلقط الحجر من الأرض، وتكسير بعض الشجر معاينة على البر، بل عدا أرض البر المشاع، بما يحاز به وغيره كذلك، وأرض القامة داخلة في الحوز، وشهد عليهم بذلك عارفا لهم، وبأنهم بالحال الجائزة، وبالحوز معاينة، وذلك بتاريخ تقدَّم لما يقرب من عام، وتأخر كتبه، في أواسط ثاني الربيعين عام تسعة وثلاثين ومائتين وألف … صدقت على ذلك قاضي زليتن م غ بتاريخ 28 فبراير سنة 1942 توقيع م غ …”، فما حكم هذا الحبس؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ الحبس المذكور يعد من الوقف على الذكور دون الإناث، وهذا النوع من الوقف باطلٌ من تاريخ صدور قانون 1973م، الذي نص على بطلان الوقف إذا كان على الذكور دون الإناث، جاء في قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية رقم (2) لسنة 1435هــ 2014م: “بطلان ما كان منه قبل صدور قانون الإلغاء ولم يحكم حاكم بصحته، وتتم قسمة ما حكم ببطلانه على الجذر الموجود من الذكور والإناث، عند صدور قانون إلغاء التحبيس المذكور، عام 1973م، ومن مات منهم فلورثته ذكورًا وإناثًا”.

وعليه؛ فيقسم الحبس المذكور – المُفْتَى ببطلانِهِ – على الذكورِ والإناثِ، الموجودين وقت تاريخ صدور القانون سنة 1973م، بحسب الفريضةِ الشرعيةِ، ويعد المحبِّسُ كأنّه مات في ذلك الوقت، فَمن مات أصله قبل سنة 1973م وكان هذا الأصلُ أنثى، فإنه لا يرثُ، ولا يدخل في القسمة، ومن استحق شيئًا بعد إجراء الفريضة على النحو المذكورِ، فله التصرف في نصيبه بالبيع والهبة ونحو ذلك، أما إن حكم قاضٍ بصحته قبل صدور القانون فهو حبس نافذ، لا يجوز بيعه ولا هبته، ويُتَّبَعُ فيه شرط الواقف؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ولا يعتبر قول القاضي: (صدقت على ذلك) -كما في الوثيقة المرفقة- حكمًا يرفع الخلاف على المشهور في المذهب، بل هو مجرد إخبار منه بتسجيل ما ذكر عنده، واطلاعه عليه، صالحًا سالمًا، فهو بمنزلة قوله: (ثبت عندي)، قال التسولي رحمه الله، عند ذكره لقول خليل رحمه الله: ورفع الخلاف لا أحل حرامًا: “وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا هَلْ هُوَ وَالْحُكْمُ بِمَعْنى أَوِ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْحُكْمِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِ كَثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَطَهَارَةِ الْمِيَاهِ وَنَجَاسَتِهَا وَالتَّحْرِيم بَين الزَّوْجَيْنِ بِالرّضَاعِ حَيْثُ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا تَدْخُلُهُ الْأَحْكَامُ وَإِذَا وُجِدَ بِدُونِ حُكْمٍ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ، والْأَعَمُّ مِنَ الشَّيْء غَيْرُهُ، ثمَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنَ الثُّبُوتِ نُهُوضُ الْحُجَّةِ كَالْبَيِّنَةِ وَنَحْوِهَا السَّالِمَةِ مِنَ الطَّعْنِ، فَمَتَى وُجِدَ ذَلِكَ يَقُولُ فِيهِ القَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا، وَقَدْ يُوجَدُ الْحُكْمُ أَيْضًا بِدُونِ الثُّبُوتِ كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ فِي قَدْرِ التَّأْجِيلَاِت وَنَحْوِهَا، فَبَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ، وَأَيْضًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُجَّةِ مُغَايِرٌ لِلْكَلَامِ النَّفْسَانِّي الْإِنْشَائِيِّ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نُهُوضَ الْحُجَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ فَهُوَ غَيْرُهُ قَطْعًا” [البهجة شرح التحفة: 1/33]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

(هذه الفتوى لا يحتج بها في النزاعات، ولا أمام القضاء، ولا تفيد صحة الوثيقة، لاحتمال أن لدى من ينازع فيها مقالا والدار لا علم لها به)

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

07//شعبان//1442هـ

21//03//2021م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق