طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

حكم الطلاق حال الغضب الشديد والإغلاق

هل يقع الطلاق المعلق إن فعلت الزوجة المعلق عليه متأولة؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5064)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

وقع شجار بيني وبين زوجتي، وكنت في حالة إغلاق، لا أعرف ولا أذكر ما قلتُ، ولكن زوجتي قالت لي إني قلت: (اعتبري نفسك مطلقة)، وقد استفتت زوجتي الدار عبر صفحتها، فأجابوا بوقوع الطلاق، ولم يُستفسرْ منها عن مقدار غضبي، فاعتبرتْ نفسَها بائنةً بينونةً كبرى؛ لكونه الطلاق الثالث، واتصلت بزوجة أخي، التي قبل شجارنا الأخيرِ قلت لها: (علي اليمين إذا كلمتيها ما تبدي إلا حارمة)، فلم تكلمها إلا بعد أن أخبرها المفتي بأنها بائنةٌ، وحلفتْ على كتابِ الله أنها لو تعلمُ أن الطلاق الذي أفتي لها فيه لم يقعْ ما كلمتْها، فما الحكم؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن كان السائلُ شديدَ الغضبِ وقتَ الطلاقِ، إلى درجةٍ لا يعي فيها ما يقولُ، ولا يشعرُ بما صدرَ منه، فالطّلاق لا يقع؛ لأنّه صارَ في حكم المجنونِ فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ، خِلَافاً لِبَعْضِهِمْ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [بلغة السالك: 351/2].

أما الطلاقُ المعلقُ على كلام الزوجة لزوجةِ الأخ، فيقع بوقوعِ المعلقِ عليه؛ فقد جاء عن نافع رضي الله عنه أنه قال: “طَلّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ  رضي الله عنهما: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ” [البخاري: 45/7]، لكن لما كان كلام الزوجة لزوجة الأخ حصل لاعتقادها البينونة منكَ، وعدمَ لحوقِ الطلاقِ لو كَلَّمتْها؛ بناءً على استفتائها، ثم ظهرَ وانكشفَ أنّ العصمة باقيةٌ، والفتوى – التي استندت عليها الزوجة – غيرُ صحيحة، فلا حنثَ عليك، ولا يقع الطلاقُ المعلقُ على الفعل، على مذهب ابن القاسم رحمه الله، قال ابنُ رشدٍ رحمه الله: “وَسُئِلَ عَن رَجُلٍ شَجَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْتَانِهِ أَمْرٌ فَقَالُوا: طَلِّقْ أُخْتَنَا، فَقَالَ: إِن ارْتَحَلَتْ عَنّي اليَوْم فَهْيَ طَالِقٌ، فَأَتَى إِلَيْهَا إِخْوَتُهَا فَقَالُوا: إِنَّ زَوْجَكِ قَدْ طَلَّقَكِ، فَأَخَذُوا مَتَاعَهَا وَرَحَّلُوهَا وَمَتَاعَهَا إِلَى أَنفُسِهِمْ وَهْيَ لاَ تَعْلَمُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ زَوْجِهَا وَلاَ مَا قَالَ، إِلاَّ مَا قَالَ لَهَا إِخْوَتُهَا إِنَّ زَوْجَكِ قَدْ طَلَّقَكِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أُخْبِرَتْ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ وَلاَ انْتَقَلْتُ مِن هَوَايَ إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ زَوْجَكِ قَدْ طَلَّقَكِ. فَقَالَ: إِن عُلِمَ ذَلِكَ وَشَهِدَ عَلَى مَا قَالَتْ، أَوْ ادَّعَتْهُ بِالشُّهُودِ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ” [البيان والتحصيل: 199/6].

عليه؛ فالطلاقُ المذكور ليس بواقع، والعصمة باقية على الزوجة، ما دام لم يطلق الزوج، أو تفعل الزوجة المحلوف عليه، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن بن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

08//جمادى الأولى//1444هـ

01//01//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق