طلب فتوى
الإجارةالمعاملات

قسمة مراضاة صحيحة لازمة، وعقد إجارة فاسد

جهالة الأجرة والمدة في الإجارة تفسدها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4679)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

اتفق الورثة فيما بينهم على قسمة التركة، وتمت القسمة بينهم بالتراضي، وبعد مدة اتفقوا مع زوجة الابن على خدمة الأم، مقابل الدخول كوارثة في تركتها، فهل ما حصل من قسمٍ بين الورثة صحيح؟ وهل العقد الذي تم بين زوجة الابن والورثة عقد صحيح؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن القسمة الحاصلة هي قسمة مراضاة، وهي من العقود الصحيحة واللازمة، قال ابن رشد رحمه الله: “الْقِسْمَةُ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ… بِوَجْهٍ صَحِيحٍ جَائِزٍ لَزِمَتْ”[المقدمات الممهدات: 3/104]، وقال الباجي رحمه الله: “وَأَمَّا قِسْمَةُ المْرَاضَاةِ بِغَيرِ تَقْوِيمٍ وَلاَ تَعْدِيلٍ، فَهْوَ أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَى أَن يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا عُيِّنَ لَهُ، وَيَتَرَاضَوْا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلاَ تَعْدِيلٍ، فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ تَجُوزُ فِي المُخْتَلِفِ مِنَ الْأَجْنَاسِ، وَلاَ قِيَامَ فِيهَا لمِغْبُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا صَارَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَلاَ ذَرْعٍ مُقَدَّرٍ، وَلاَ عَلَى أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ لَهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ حَقِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا الضَّرْبُ أَقْرَبُ إِلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ” [المنتقى: 5/391].

أما عقد الإجارة فيشترط فيه أن تكون المدة معلومة والأجرة معلومة، ففي المدونة: “فَإِنْ ‌لَمْ ‌يَضْرِبْ لِلْإِجَارَةِ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا، فَإِنْ ‌لَمْ ‌يَضْرِبْ لِلْإِجَارَةِ أَجَلًا كَانَتْ الْإِجَارَةُ ‌فَاسِدَةً” [المدونة:11/405]، وقال الدردير  رحمه الله: “(وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) فَيَكُونُ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا”[الشرح الكبير:4/3].، والأجرة على خدمة الأم إلى وقت الموت مجهولة المدة ومجهولة الأجرة، فلا تصح شرعا.

عليه؛ فإذا كان الواقع كما ذكر في السؤال، فإنّ القسمة التي تراضيتم عليها ماضيةٌ، لازمةٌ، لا يحقُّ لأحد الرجوع عنها، ولو حصل بها غبنٌ، ما دام الجميع قد رضُوا بها، وكانوا بالغين راشدين، وأما عقد الإجارة فهو عقدٌ فاسدٌ، لجهالة الأجرة والمدة، ويستحق الأجير -في مثل هذه الحالة-وهو زوجة الابن أجرة المثل عن المدة التي قام فيها بالخدمة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

17//ربيع الأول//1443هـ

24//10//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق